كما بيّنا آنفا. فهو في «أسرار البلاغة» يتحدث عن «بناء الصورة» ودور العقل في تشكيلها أحيانا.
فالاستعارة أنواع، منها ما يكون الشبه مأخوذا من الصور العقلية كاستعارة النور للبيان والحجة، والصراط للدين، وهذا اللون هو من صميم الاستعارة «٣٣».
كما يتحدث عن الصور الحسية في أثناء حديثه عن التشبيه والتمثيل والفروق بينهما، ويقف عند تفصيلات الصورة الحسية بأنواعها مثل اللون والهيئة والحركة، والصوت، والذوق، واللمس... إلخ «٣٤».
ونحن نجد النقد الحديث يعنى بدراسة الصورة الحسية ودلالتها على اتجاه الشاعر أو الأدب، فهناك الشعراء يكثرون من الصور البصرية، وآخرون يميلون إلى الصور السمعية وهكذا.
والجرجاني في حديثه عن الصور العقلية، والصور الحسية، كان قصده أن يبيّن عناصر تشكيل الصورة، وطريقة بنائها، فمرّة تعتمد الصورة على العقل في تشكيلها، وأخرى على الحواس المعروفة، ولم يكن الجرجاني يهدف إلى تقديم مفاهيم جديدة للصورة كما ذهب إلى ذلك الدكتور محمد إبراهيم شادي «٣٥».
ويرى الدكتور أحمد دهمان أن الجرجاني «لم يستخدم مصطلح الصورة استخداما واحدا في كتابيه، فأحيانا يشير به إلى التقديم الحسي للمعنى ممثلا بالاستعارة والكناية والتمثيل، وأحيانا يشير إلى الشكل العام للكلام وطريقة الصياغة» «٣٦».
وهذا الرأي الذي توصّل إليه الدكتور دهمان غير دقيق، لأن مفهوم الصورة عند الجرجاني واحد، وليس متعددا كما أشار الدكتور محمد شادي من قبل أو يدور حول مدلولين أو مصطلحين كما فهم الدكتور دهمان فنحن حين نقرأ تحليل الجرجاني لبعض آيات القرآن أو بعض الأشعار، لا نحس بهذه الازدواجية في مفهوم الصورة بل نحس بالمفهوم الواضح المميّز للصورة. ففي قوله تعالى: وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً مريم: ٤ نجد الجرجاني

(٣٣) أسرار البلاغة: ص ٤٩.
(٣٤) المصدر نفسه: ص ٧١ - ٧٢.
(٣٥) الصورة بين القدماء والمعاصرين: ص ٣٠.
(٣٦) الصورة البلاغية عند عبد القادر الجرجاني: ج ٢ ص ٦٢٦.


الصفحة التالية
Icon