وهو تشكيل المعاني على هيئة مخصوصة. فالزمخشري يستخدم هذه المصطلحات المتعددة للصورة، لكي يحيط بوظائف الصورة في التشخيص والتجسيد والتخييل.
ويبيّن الزمخشري قيمة الصورة في نقل المعاني الذهنية في صور حسية. فقوله تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لقمان: ٢٢ يقول الزمخشري معلقا على هذا التصوير الحسي: «وهذا تمثيل للمعلوم بالنظر، والاستدلال بالمشاهد المحسوس، حتى يتصوره السامع، كأنه ينظر إليه بعينيه، فيحكم اعتقاده، والتيقن به» «٤١».
والمعاني عنده نوعان: المعاني المحققة، والمعاني المفروضة المتخيلة، فالمعاني المحققة هي التي لها وجود خارجي حسي، وتقوم الصورة بدورها في إبراز هذين النوعين من المعاني، فقوله تعالى مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ البقرة: ٢٦١ هو نموذج للمعاني المحققة، التي قامت الصورة الفنية بتوضيحها فهي «تصوير للأضعاف كأنها ماثلة بين عيني الناظر» «٤٢».
والمعاني المتخيلة أو المفروضة كقوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ الأحزاب: ٧٢ المقصود بها «تصوير عظم الأمانة، وصعوبة أمرها، وثقل محملها، والوفاء بها» «٤٣».
فالزمخشري يسير في تفسيره «الكشاف» على ضوء مفهومه للتمثيل والتصوير، ويرجع بلاغة القرآن إلى أسلوبه التصويري في نقل المعاني المحققة والمتخيلة، ويلح في تحليله للصورة القرآنية، على الجانب البصري فيها ويتشابه في هذا مع الرماني وأبي هلال العسكري، ولكن الصورة القرآنية أوسع وأشمل من التقديم البصري، وحصرها فيه، تضيق لقدراتها المتنوعة والفنية «٤٤».
وجاء ابن الأثير (ت ٦٣٧ هـ) فألحّ أيضا على الجانب البصري في الصورة، وأطلق هذا المصطلح على كل مرئي مشاهد من التشبيهات، كقوله تعالى مثلا:
(٤٢) الكشاف: الزمخشري ١/ ٣٤٠.
(٤٣) المصدر السابق: ٣/ ٢٧٧.
(٤٤) الصورة الفنية في التراث البلاغي والنقدي: ص ٢٩٧ - ٢٩٨.