وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ الصافات: ٤٨ - ٤٩، وهذا التشبيه- عنده- من قبيل تشبيه صورة حسية بصورة حسية، وهناك أيضا تشبيه معنى بصورة كقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً النور: ٣٩.
وهذا عنده من أجود أنواع التشبيه، لأنه يعبر عن المعاني الذهنية بالصور المرئية المشاهدة «٤٥».
ويرى حازم القرطاجني (ت ٦٨٤ هـ) أن الصورة الفنية هي استعادة لمدرك حسي بعد غيابه.
فالمعاني تدرك من العالم المحسوس، وتكوّن لها صورا ذهنية، ثم تأتي الصورة الفنية، فتستشير هذه الصور الذهنية، بعد غياب المدرك الحسي عنها. يقول حازم: «إن المعاني هي الصور الحاصلة في الأذهان عن الأشياء الموجودة في الأعيان، فكل شيء له وجود خارج الذهن، فإنه إذا أدرك، حصلت له صورة في الذهن تطابق ما أدركه منه، فإذا عبر عن تلك الصورة الذهنية الحاصلة عن الإدراك، أقام اللفظ المعبر به هيئة تلك الصور الذهنية في أفهام السامعين وأذهانهم» «٤٦».
ولكنّ مفهوم الصورة أخذ يضيق ويتحجّر على يد البلاغيين المتأخرين مثل السكاكي، والخطيب القزويني وشرّاح التلخيص، فأطلقوا مصطلح الصورة على بعض التشبيهات والاستعارات المركبة.
يقول الخطيب القزويني: «وأما المجاز المركب فهو اللفظ المركب المستعمل فيما شبه بمعناه الأصلي تشبيه التمثيل للمبالغة في التشبيه، أي تشبيه إحدى صورتين منتزعتين من أمرين أو أمور أخرى... ».
وعلّق القزويني على «أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى» بقوله: «شبه صورة تردده في المبايعة بصورة تردد من قام ليذهب في أمر، فتارة يريد الذهاب، فيقدم رجلا، وتارة لا يريد، فيؤخر أخرى» «٤٧».
وهكذا انتهى مفهوم الصورة عند المتأخرين من البلاغيين إلى نوع من المجازات المركبة،
(٤٦) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: حازم القرطاجني. ص ١٨ - ١٩.
(٤٧) الإيضاح في علوم البلاغة: الخطيب القزويني. ص ٣١٢.