ويرى الدكتور عبد الفتاح صالح نافع أننا «نجد كثيرا من الصور الجميلة الخصبة جاءت من استخدام عبارات حقيقية لا مجاز فيها... » «٧٨».
فالعبارات الحقيقية ضمن السياق، قد توحي بدلالات متنوعة، تكون أبلغ من المجاز في موقعها، وضمن سياقها الواردة فيه، يقول الدكتور غنيمي هلال بهذا المعنى: «من وسائل التصوير والإثارة ما لا يدخل في الوجوه البلاغية التي ذكروها بحال» «٧٩»، ويقول في موضع آخر: «فقد تكون العبارات حقيقية الاستعمال وتكون مع ذلك دقيقة التصوير، دالة على خيال خصب» «٨٠».
لهذا فإن الدكتور صلاح فضل يعتبر الوصف صورة، تقوم على التقديم الحسي فقط دون أن تعتمد على المجاز فقد علّق على أبيات ذي الرمة:
عشية ما لي حيلة غير أنني... بلقط الحصى والخط في الترب مولع
بقوله: «فليس ثمة تشبيه ولا استعارة، ولا مجاز آخر، وبالرغم من ذلك ينجح الشاعر في تقديم تمثيل حسي نتردد في وصفه بأنه خيالي، إذ يمكن له أن يعتمد على تجربة واقعة، ويصفها بدقة، مما يجعل دور الخيال قاصرا على استحضارها وتمثيلها دون تكوينها الأصلي» «٨١».
فالخيال في الصورة الوصفية يقتصر دوره على الاستحضار والتمثيل، لا البناء والتشكيل للصورة.
ويبدو أن طبيعة اللغة العربية التصويرية، تساعد على التوسّع في مفهوم الصورة، فقد سمّاها العقاد «اللغة الشاعرة» لأنها «بنيت على نسق الشعر في أصوله الفنية والموسيقية، فهي في جملتها فن منظوم منسّق الأوزان والأصوات... » «٨٢».
فهي بهذا المقياس «لغة معبرة مصوّرة، تقوم عباراتها بالدلالة على معانيها دلالة شعرية فنية موحية» «٨٣»، فالتعبير الفني المتناسق بألفاظه وعباراته- ولو كان تعبيرا حقيقيا
(٧٩) النقد الأدبي الحديث: د. محمد غنيمي هلال. ص ٢٥٠.
(٨٠) النقد الأدبي الحديث: ص ٤٥٧.
(٨١) علم الأسلوب مبادئه وإجراءاته: د. صلاح فضل ص ٢٣٦.
(٨٢) اللغة الشاعرة: عباس محمود العقاد. ص ٨.
(٨٣) نظرية التصوير الفني عند سيد قطب: ص ٣٠.