فاللغة العربية- بهذه الاعتبارات وغيرها- كما يقول العقاد: «لغة إنسانية ناطقة يستخدم فيها جهاز النطق الحي أحسن استخدام، يهدي إليه الافتنان في الإيقاع الموسيقى، وليس هنا أداة صوتية ناقصة، تحس بها الأبجدية العربية» «٤».
وقد قسمت هذه الحروف الأبجدية، حسب مخارجها الصوتية، وأعطيت صفات للتمييز فيما بينها، حسب الأصوات المنبعثة منها.
وقد روعي في ترتيب حروفها حسب المخارج الصوتية، التناسب الموسيقى الفني، فيما بين الحروف المتقاربة فهي حروف متناسبة في مخرجها، وجرسها وشكلها ونسقها، مثل الباء والتاء والثاء ومثل الحاء والخاء، والدال والذال، وهكذا في بقية الحروف كما يرى العقاد «٥».
بالإضافة إلى هذا التقسيم الصوتي للحروف الأبجدية، هناك تقسيم صوتي آخر، يراعي صفات الحروف الصوتية، وما تصدره من إيقاعات موسيقية مختلفة، يمكن أن نسميها «موسيقى الحروف»، فهناك حروف الاستعلاء، وحروف الصفير، والتفشّي، والإصمات، أو حروف الإطباق أو الاستفال أو الهمس.
ولكلّ خاصية من هذه الحروف صوت تصدره، وينتج عن هذا التنويع في أصوات الحروف نغمات موسيقية أو إيقاعات لها تأثيرها في النفس.
هذه الروابط الفنية أو الخصائص للحروف، ميزة اللغة العربية، التي اختارها الله لغة لكتابه العزيز، قبل أن تؤلّف من مجموعها الكلمات الحاملة للمعاني، وقبل أن تنظم الكلمات ضمن روابط السياق الأخرى.
وبهذا يتّضح أن روابط البناء الكلي للصورة، تبدأ أولا من المادة الأولية وهي «الحروف»، ولا يتوقف بناء الصورة على طبيعة الحروف أو خصائصها، وإنما أيضا على العلاقة فيما بينها في تأليف الكلمات، لتحقيق الانسجام والتناسق بينها.
وحين ترتبط الحروف بعضها ببعض، وتتآلف في الكلمة محقّقة الانسجام الكامل، فإن هذا الانسجام يعدّ اللبنة الأولى في بناء الصورة المنسجمة والموحية بالمعنى.
(٥) المصدر نفسه: ١٠ - ١١.