وقد تحدّث النقاد القدامى عن فكرة «انسجام الحروف في الكلمات»، ووضعوا لها القواعد أو المقاييس التي تحقّق الانسجام فيما بينها.
ويعدّ «الرمّاني» أول من تحدّث عن فكرة «التلاؤم» في الحروف في الأسلوب القرآني.
موضّحا أثر ذلك في النفس.
والتلاؤم بين الحروف، هو نقيض التنافر، وهو على مراتب، والقرآن الكريم في أعلاها يقول الرمّاني في ذلك: «والمتلائم في الطبقة العليا القرآن كلّه، وذلك بيّن لمن تأمله» «٦».
ويعلّل الرمّاني التلاؤم بين الحروف بقوله: «والسبب في التلاؤم، تعديل الحروف في التأليف، فكلّما كان أعدل، كان أشدّ تلاؤما، وأمّا التنافر، فالسبب فيه ما ذكره الخليل من البعد الشديد أو القرب الشديد... وكلاهما صعب على اللسان، والسهولة من ذلك في الاعتدال، ولذلك وقع في الكلام الإدغام والإبدال والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة، وطريق الدلالة» «٧».
فالتلاؤم- عنده- يرجع إلى التقارب أو التباعد في مخارج الحروف، ولكن بشرط الاعتدال في الحالتين، فليس قربا شديدا في المخارج، ولا تباعدا شديدا أيضا، فإذا تحقق هذا الاعتدال فإنّ التلاؤم يلاحظ في سهولة مخارج الحروف، وهذا ما نراه في الأسلوب القرآني فليس فيه لفظة مستكرهة أو ثقيلة، أو متنافرة الحروف.
ولكنّ الرمّاني لم يورد شواهد من القرآن على ما يقول، لأنه- على ما يبدو- يرى أن القرآن كلّه شاهد أو دليل على صحة قوله، فلا حاجة إلى إيراد الأمثلة، للشيء الواضح في رسالة صغيرة عن الإعجاز في القرآن.
ويبقى للرمّاني فضل الحديث عن التلاؤم بين الحروف، وبيان تأثيره في الأذن والنفس معا، على الرغم من أنه لم يدعم رأيه بالشواهد التي تقويه.
وقد امتدح الناقد محمد زغلول سلام رأي الرمّاني هذا قائلا: «وملاحظة الرمّاني لصلة الجمال اللفظي بسهولة حركة اللسان جديدة بالإشارة، إذ خرج الرماني عن حدود
(٧) المصدر السابق: ص ٨٨ أيضا.