الأقوال إلى التجربة والملاحظة وقديما ذكر اللغويون اللفظ الوحشي، واللفظ الوعر، ولم يذكروا سببا للوحشية ولا للوعورة، وجاء الرماني ليعلّل سبب التنافر والتلاؤم، وسلامة اللفظ، ورقته، وطلاوته، ولعلّه قد استعان بدراسة الخليل ليوضّح صلة حركات اللسان بجمال اللفظ، وتمتّ هذه الملاحظة إلى ما ظهر في علم الجمال حديثا من قولهم بأن الجمال يرجع في ناحية من نواحيه إلى رشاقة الحركات والاقتصاد في الجهد العضلي» «٨».
وقد اتّخذ ابن سنان الخفاجي من تباعد مخارج الحروف مقياسا فنيا لمعرفة فصاحة اللفظة، وسهولة نطقها، ويقارنها بأثر الألوان في العين، وحسن منظرها، فكلّما تباعدت الألوان، كانت أحسن منظرا من الألوان المتقاربة وكذلك تباعد مخارج الحروف هو المقياس في فصاحة الكلمة وحسنها يقول: «الأول أن يكون تأليف اللفظة من حروف متباعدة المخارج وعلة هذا واضحة، وهي أن الحروف التي هي أصوات تجري في السمع مجرى الألوان من البصر، ولا شكّ أن الألوان المتباينة، إذا جمعت كانت في المنظر أحسن من الألوان المتقاربة» «٩».
فابن سنان يعتمد في ترتيب الحروف على مخارج نطقها، ويطبق نظرته على ضوء ذلك، ابتداء من الحلق حتى الشفة، ولكنه لم يطبّق هذه النظرة على اللفظة القرآنية، واكتفى بتلاؤمها وسهولتها، كما فعل الرمّاني.
ويرى شوقي ضيف أن ابن سنان قد استفاد في نظرته هذه من علم التجويد يقول:
«وأكبر الظنّ أنه انتفع في ذلك كلّه مما كتبه علماء تجويد القرآن من مباحث قيّمة» «١٠».
وقد ردّ ابن الأثير على ابن سنان نظرته تلك إلى الألفاظ، فرأى أن حاسة السمع هي المقياس في جمال اللفظة إذ نرى كلمات متقاربة في مخارجها، ولكنها حسنة رائعة في الآذان، كالجيم والياء والشين، فهي حروف متقاربة المخارج، وتسمّى ثلاثتها «الشجرية»، وإذا تألفت في الكلمة كان وقعها حسنا ومحمودا مثل لفظة «جيشان» «١١».
ويبدو أن هناك علاقات أخرى بين الحروف غير مخارجها، وهي «صفات الحروف» من

(٨) أثر القرآن في تطور النقد العربي: د. محمد زغلول سلام. ص ٢٤١ - ٢٤٢.
(٩) سر الفصاحة: ابن سنان. ص ٦٦.
(١٠) البلاغة تطور وتاريخ: د. شوقي ضيف ص ١٥٢.
(١١) المثل السائر: ١/ ١٥٢.


الصفحة التالية
Icon