لبس ولبسة بالضم إذا لم يكن واضحا، وفيه ملتبس: مستمتع وفلان قد لبس الناس أي عاش معهم.. ولكل زمان لبسة أي حالة يلبس عليها من شدة أو رخاء ولبست فلانا على ما فيه أي احتملته وقبلته.. ولبست على كذا أذني إذا سكتّ عليه ولم تتكلم وتصاممت عنه، ويقال لباس التقوى الحياء» «٢١».
واستخدام هذه اللفظة في القرآن الكريم، توحي بالمعنى الحسي والمعنى المجازي معا، فهي تدل على طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة من جانبها المادي، وجانبها المعنوي أيضا بما فيها من عشرة وستر، واستمتاع ومعايشة على الشدة والرخاء والاحتمال والحياء، وغير ذلك، وكلّها معان تحتملها لفظة لغوية واحدة.
كذلك نلاحظ دقّة اختيار الألفاظ في بناء الصورة، للدلالة على المواقف والحالات والمعاني. كقوله تعالى مثلا: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ، وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ
هَيْتَ لَكَ
يوسف: ٢٣، فالفعل «راود» من الفعل الثلاثي «راد يرود» وهو بمعنى الذهاب والمجيء المتكرر، و «الرود» الطلب ومنه الإرادة التي هي المشيئة «٢٢».
وقد اعتمد تصوير الموقف بين يوسف وامرأة العزيز على هذا الفعل بكل ما يحمله من دلالات متنوعة، يغني الصورة بالإيحاءات الثريّة، منها إرادة امرأة العزيز، وتصميمها على تنفيذ طلبها- فراحت تكرّر الطلب، من يوسف وتلحّ عليه في الذهاب والإياب.
ثم الفعل غَلَّقَتِ بجرسه الشديد، يوحي بإحكام إغلاق الأبواب، بشدّة وعنف، لاستكمال بناء الصورة والإيحاء بحالة المرأة المحمومة، وكأننا نسمع صدى الأبواب المغلقة من جرس اللفظة «غلّقت» ثم تلاشي الصدى بعد ذلك في أنحاء المكان، وهذا لا يكون فيما لو قال «أغلقت» لأنّ أغلقت أخفّ وقعا من غلّقت، كما أنّ فعل «أغلقت» يوحي بالهدوء والاستقرار، بينما الموقف أو الحالة توحي بالهيجان والاضطراب.
ثم يأتي التعبير ب هَيْتَ لَكَ ليكمل تصوير المشهد بكلّ ما فيه من حركات وأصوات ونعومة وإغراء كنعومة هذا التعبير هَيْتَ لَكَ ورقّته.
وبذلك يكتمل بناء الصورة من خلال مادتها اللغوية المتنوّعة في دلالتها، والمتنوّعة في
(٢٢) القاموس المحيط: مادة رود.