إيقاعاتها للدلالة على المعاني والحالات النفسية والمواقف.
فالدقّة في اختيار المفردات بأشكالها المحسوسة، ودلالاتها الفنية، تمتع الخيال والأبصار، والأسماع، وتدخل إلى النفس من منافذ شتّى، وهذا هو الإعجاز في التعبير القرآني، يبدأ من تكوين الحروف فالكلمات، فالجمل، فالسياق، فالنص كلّه، على نحو مترابط ومتناسق، كلّ حلقة فيه مرتبطة بالأخرى، ضمن نظام العلاقات والروابط حتى نصل إلى بناء الصورة الكلية، ثم الصورة المركزية التي عندها، يكون، قد وصلت الصورة إلى ذروة البناء أو قمّة التصميم الفني المعماري.
والقرآن الكريم يرسم بجرس الكلمات صورة فنية، لها إيحاؤها وتأثيرها في النفس، على ضوء ما ذكرناه من نظام الحروف من حيث المخارج والصفات والحركات. كقوله تعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحاباً النور: ٤٣.
فكلمة يُزْجِي بجرسها الموسيقى، ترسم حركة السحاب البطيئة في السماء، وما فيها من امتدادات رخية متطاولة، بخلاف ما لو استعمل كلمة «دفع أو ساق».
فكلمة يُزْجِي تبدأ بالياء وتختم بها أيضا، والياء حرف لين رخو، كما أن الزاي حرف من حروف الصفير والهمس، والجيم من حروف الشدة والجهر، ولكن ترتيبها في الكلمة، بين الزاي والياء، وحركة الكسر عليها خفّفت من شدّتها، وجعلتها متناسقة مع ما قبلها وما بعدها.
فهذه الكلمة بتنويع حروفها من حيث المخارج والصفات، وتنويع حركاتها، وتأليفها من مقطعين «يز- وجي». جعل إيقاعها رخيا ممتدا كرخاوة حركة السحاب، وامتداده في السماء.
وفي قوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها... الشمس: ١١.
فكلمة «بطغواها» بإيقاعها الموسيقى، ترسم الطغيان الذي قد بلغ منتهاه، وذلك من خلال تأليف الكلمة من ثلاثة مقاطع «طغ- وا- ها» وهي مقاطع تجعل الكلمة، تملأ الفم عند النطق بها. بالإضافة إلى أنّ تعدّد المقاطع فيها، يزيد من مدة عرض الصورة.
ولفظ فَدَمْدَمَ في قوله تعالى: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها الشمس: ١٥ فيه إيقاع شديد يناسب جوّ التدمير لقوم ثمود. اللفظة مؤلّفة من مقطعين «دم/ دم» أو من


الصفحة التالية
Icon