وإيقاعها مع هذا الجوّ الحاني حتى «الحزن» بالتسهيل والتخفيف.. والإيقاع الموسيقى للتعبير هادئ ناعم رتيب» «٢٩».
وفي قوله تعالى: وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا، تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا.. مريم: ٨٨ - ٩٠.
يقول أيضا: «إنّ جرس الألفاظ وإيقاع العبارات ليشارك ظلال المشهد في رسم الجو، جوّ الغضب والغيرة والانتفاض» «٣٠».
وعلى هذا النهج، يسير سيد قطب في تحليل النصوص القرآنية في كتبه، مستخدما مصطلح الجرس والإيقاع في الحديث عن الجانب الصوتي في المدود والحركات، وفي الألفاظ عموما.
وهو يربط الإيقاع الموسيقى للألفاظ بالمعنى المراد، والحالة النفسية، والجوّ العام للسياق، وهذا منهج سليم، لأن الإيقاع الموسيقى في القرآن لم يقصد لذاته، لمجرد التنغيم. والإطراب بهذه النبرات الصوتية المنغّمة بل هو وسيلة لتصوير المعاني الدينية.
ويضيف العقاد إلى ما ذكرناه «الحركة الإعرابية» التي تكسب المفردة القرآنية، قيمة فنية، لأن الحركات الإعرابية، تزيد من وضوح النغمات الموسيقية للمفردات أيضا. يقول العقاد: «فإن هذه الحركات والعلامات تجري مجرى الأصوات الموسيقية، وتستقرّ في مواضعها المقدورة، على حسب الحركة والسكون في مقاييس النغم والإيقاع.. ولها بعد ذلك مزية تجعلها قابلة للتقديم والتأخير.. لأنّ علامات الإعراب، تدلّ على معناها كيفما كان موقعها من الجملة المنظومة» «٣١».
وبهذا تنتقل المفردات من الروابط الخاصة بها، إلى الروابط السياقية أيضا، فيرتبط إيقاعها المنفرد بالإيقاع السياقي المنسّق في التعبير كلّه، فتتمّ به العلاقة بين الإيقاع الكامل للمعنى التام المراد تصويره، فيتناسق الإيقاع بنغماته أو توقيعاته مع المعنى بكلّ جزيئاته.
فالألفاظ وحدها على الرغم من تنوّع علاقاتها البنائية، لا تكفي لتصوير المعنى، ما لم
(٣٠) المصدر نفسه ٤/ ٢٣٢٠ - ٢٣٢١.
(٣١) اللغة الشاعرة: ١٦.