فهي تابعة للمعاني، ومرتبطة بها، لهذا أكسبت النص القرآني قوة موسيقية مؤثّرة، عبر النغم الموسيقى في نظمه وإيقاعه ثم في نهاية آياته، مع ارتباط الإيقاع الموسيقى بالمعنى العام الذي لا ينفك عنه بل هو وسيلة من وسائل إيضاحه وإبرازه، ومتمم له، في تأثيره في النفوس.
لأن الإيقاع الموسيقى يدخل إلى النفس عبر الحس السمعي، فيعمّق الإحساس بالمعنى.
كما أنّ الذهن منفذ من منافذ المعنى، ولكنّه ليس المنفذ الوحيد له، فالإيقاع يشترك مع الذهن في توصيل المعنى ويزيد عليه في قوة التأثير في النفس.
لذلك كان للقرآن الكريم هذا الجمال الصوتي المؤثّر الذي جعله كما يقول ابن قتيبة:
«متلوّا لا يملّ على طول التلاوة، ومسموعا لا تمجّه الآذان، وغضّا لا يخلق من كثرة الترداد» «٣٥».
وهذا ما توصّل إليه علماء الجمال اليوم في الإحساس الصوتي بالجمال، لأنّ الجمال الصوتي يعتمد «على انسجام الأنغام في تردد رتيب، لا تملّه الآذان، غير نشاز، فتنفر منه الآذان، وتتأذى به، متسق مع ما ينبعث في النفس من هزّات داخلية، فيتمّ التوافق بين النغم الخارجي والداخلي» «٣٦».
وقد حرص العلماء منذ القديم، على تسمية نهاية الآيات بالفواصل، تمييزا لها عن الأسجاع، كما لاحظنا ذلك في قول الرمّاني المتقدم.
والدافع إلى ذلك، هو تنزيه القرآن الكريم عن سجع الكهان، وعمّا علق بتاريخ السجع من التكلف والتقعّر.
ولكن «الفرّاء» لم يجد حرجا من القول بوجود السجع في القرآن.
فقد رأى أنّ السجع هو السبب في حذف الضمير من كلمة «قلى» الواردة في سورة الضحى، لكي ينسجم مع بقية نهايات الآيات. يقول الفرّاء في تعليل حذف الكاف: «يريد ما قلاك، فألغيت الكاف، كما تقول أعطيتك، وأحسنت، ومعناه وأحسنت إليك، فتكتفي بالكاف من إعادة الأخرى، ولأنّ رءوس الآيات بالياء فاجتمع فيه ذلك» «٣٧».
(٣٦) المصدر السابق: ٢٤٤.
(٣٧) معاني القرآن: الفرّاء ص ٣/ ٢٧١.