ويبدو أن حذف الكاف في «قلى» ليس من أجل التناسب الشكلي فقط بين رءوس الآيات، كما قال الفرّاء، وإنما هناك تناسب معنوي أيضا، وهو كراهية إيقاع فعل الكراهية على الضمير العائد على الرسول صلى الله عليه وسلم، تشريفا لقدره، وبيانا لمنزلته عند الله سبحانه.
وقد حاولت الدكتورة عائشة عبد الرحمن في تفسيرها البياني أن تردّ على الفرّاء، الذي أرجع السجع في القرآن للإيقاع الشكلي، فتناولت بعض السور القصار بالدراسة والتحليل، لإثبات التناسب المعنوي في الفواصل القرآنية.
ففي تفسيرها البياني لسورة «الهمزة» وقفت تعلّل، استعمال كلمة «الأفئدة» بدلا من القلوب الواردة في قوله تعالى: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ الهمزة: ٦ - ٧.
قرأت أن كلمة الْأَفْئِدَةِ لم تستعمل هنا مراعاة لنسق الفاصلة فحسب، وإنما لتخليص الأفئدة من حس العضوية، التي تدخل على دلالة لفظ القلوب، فيما ألف العرب من لغتهم، ولا يزال استعمال القلب بمعناه العضوي جاريا في اللغة دون استعمال الفؤاد بهذا المعنى «٣٨».
فاستعمال «الأفئدة» يوحي بتجاوز العذاب الحسي إلى العذاب النفسي، وهذا تصوير منتهى العذاب وبذلك تحقق الفاصلة التناسب المعنوي في تصوير العذاب إلى جانب التناسب الموسيقى للإيقاع.
والزمخشري منذ القديم لاحظ تناسق الفاصلة القرآنية مع السياق المعنوي، وفسّرها على ضوء المعنى السابق لها.
ففي تفسيره لقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ الأنعام: ٩٧ - ٩٨.
يقول الزمخشري: «فإن قلت: لم قيل (يعلمون) مع ذكر النجوم، ويفقهون مع ذكر إنشاء بني آدم؟ قلت: كان إنشاء الإنس من نفس واحدة، وتصريفهم بين أحوال مختلفة، ألطف وأدق صنعة وتدبيرا، فكان ذكر الفقه الذي هو استعمال فطنة، وتدقيق نظر مطابقا له» «٣٩».
(٣٩) الكشاف: ٢/ ٣٩.