وقد حاول سيد قطب أيضا أن يستخرج نظاما للفواصل القرآنية، تسير عليه من خلال ارتباطها بالمعنى المراد، ومراعاتها للنغمة الموسيقية في السورة.
فرأى أن الفواصل تقصر غالبا في السور القصار، وتتوسّط أو تطول في السور المتوسطة والطوال، ويشتد التماثل والتشابه بينها في السور القصار، ويقلّ غالبا في السور الطويلة «٤٢».
ويضيف إلى الفاصلة القرآنية مصطلح «القافية» ويقصد بها اعتماد الفاصلة على حرف معين، لزيادة التنغيم أو الإيقاع الموسيقى في الفاصلة.
فالفاصلة هي الكلمة الأخيرة في نهاية الآية، يضاف إليها، الحرف المعتمد عليها فيها.
وسيد قطب هنا متأثّر بدراسته الأدبية للشعر في مصطلح «القافية»، فإذا كنّا قد اخترنا مصطلح «الفاصلة» لنبعد القرآن الكريم عن مظنّة السجع، وسجع الكهان، فكيف نقول مرة أخرى «قافية الفاصلة»؟ وأرى أن نبحث عن مصطلح آخر غير القافية المرتبطة في أذهاننا بالشعر العربي، يكون متناسقا مع مصطلح «الفاصلة».
وقد حاول سيد قطب أن يطبّق نظرته تلك حول نظام تنويع الفاصلة في السورة الواحدة.
فرأى أن هذا التنويع في «القوافي» فيها ليس لمجرد التنويع، وإنما يرتبط بالسياق المعنوي للفاصلة.
ففي سورة مريم، تبدأ بقصة زكريا ويحيى ثم قصة مريم وعيسى، وكانت الفاصلة في السرد القصصي واحدة وهي «خفيّا- شقيّا- شرقيا- سويّا- تقيّا- نبيّا- حيّا- شقيّا.. » «٤٣».
وحين ينتهي السرد القصصي تتغير الفاصلة القرآنية، والحرف المعتمدة عليه فيصبح بحرف النون أو بحرف الميم وقبلهما مد طويل، كقوله تعالى: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ مريم: ٣٤، وكأنّ هذه الآيات- كما يقول سيد قطب- تصدر حكما بعد نهاية القصة، ولهجة الحكم تقتضي إيقاعا موسيقيا آخر غير الإيقاع الموسيقى الاستعراضي في القصة الذي كلّه انسياب، واسترسال، وبمجرد الانتهاء من إصدار الحكم على القصة

(٤٢) التصوير الفني: ص ١٠٧.
(٤٣) سورة مريم: الآيات من ٢ - ٣٢.


الصفحة التالية
Icon