لنهاية مشهد الكافرين الذي ظلموا أنفسهم بكفرهم، فاستحقّوا هذه النهاية.
كما أنّ الفاصلة متناسقة مع الجوّ العام للمشهد، الذي يرسم نهاية الطوفان في السماء، والأرض، والسفينة والكافرين، كما أنّها مناسبة للإيقاع الموسيقى العام في الآيات، بكلّ ما فيه من تموّج عميق وواسع مرسوم بالخطوط والمسافات والأبعاد من خلال تكوين الحروف، وجرس الكلمات، ونظم الجمل، والسياق العام للمشهد.
فالإيقاع يعلو ويهبط، متناسقا مع حركة المشهد في علوّ المياه وهبوطها، ونزول الأمطار وهطولها وارتفاع الأمواج، وانخفاضه، وارتفاع السفينة وانخفاضها أيضا، ولكن الإيقاع المتموّج يتدفّق نحو الفاصلة، فيرطمها، وبعد حركة الارتطام بها، يتوقف عندها في سكون وهدوء، في حركة متسقة مع حركة المياه الهائجة في الطوفان المدمّر، وهذا ما نلاحظه في الفاصلة الأولى حيث طمّهم الطوفان وغيّبهم وحوّل حركتهم إلى سكون دائم، وكذلك في فاصلة الظالمين والمغرقين.
فالفاصلة متّسقة مع المعنى العام للجوّ المصوّر، كما أنّها مرتبطة بحركة الإيقاع الموسيقى في الصورة، فتؤدي دورها في التصوير، كما أدّته في التعبير أيضا.
وترتبط الصورة أيضا ب «الحركة» بالإضافة إلى الإيقاع الموسيقى.
والحركة من مقوّمات الصورة، وسمة من سماتها، وهي ملحوظة في تصوير المعاني الذهنية، والحالات النفسية، وفي التصوير القصصي، والأمثال، والحوادث، ومشاهد القيامة.
ففي الحركة يتجلى الجمال الصوتي، والجمال البصري معا، وقد تميّزت الصورة القرآنية بذلك، فهي تحيل المعاني الذهنية، والمشاهد والانفعالات النفسية إلى مشاهد حيّة، متحركة متجددة، وكأنّها أشخاص يتحركون ويتكلمون، وليست صورا فنية مرسومة بألفاظ وكلمات، وذلك ليزداد التفاعل النفسي مع المشاهد المصوّرة، والمعاني، والحالات النفسية، حتى يظنّ القارئ أنّها الحياة التي يعيشها بكلّ ما فيها من حركة وأشخاص وحوار، حتى المشاهد الكونية الصامتة يخلع عليها صفة الحياة والحركة فتصوّر حية ناطقة مشخّصة. يقول تعالى: فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فصلت: ١١. إنّ الحركة هي مظهر من مظاهر الحياة والكون، وهي سمة من سمات الصورة في القرآن الكريم، فهي مظهر كوني كما أنّها مظهر فني، من هنا نلاحظ تأثيرها في النفس الإنسانية.