وقد لاحظ بعض القدماء، عنصر الحركة في الصورة، مثل ابن قتيبة الذي ألمح إلى شدّة الانزلاق من قوة الأبصار المحدقة، وذلك في قوله وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ القلم: ٥١، فقال في تعليقه على الآية «يريد أنهم ينظرون إليك بالعداوة نظرا شديدا، يكاد يزلقك من شدّته أي يسقطك» «٤٥».
ولكنّ تعليق ابن قتيبة هذا لا يعدو الإشارة العابرة لعنصر الحركة، فهو لم يدرسها من جانبها الفني وارتباطها بالحركة النفسية، وما في صدور الكافرين من حقد وعداوة، ارتسمت في حركة العيون، والنظرات المحدّقة العنيفة. فكلمة لَيُزْلِقُونَكَ تربط بين الحركة الحسية والنفسية معا.
ويتوقف الرمّاني أيضا عند لفظ وَزُلْزِلُوا في قوله تعالى: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا البقرة: ٢١٤، وعلّق عليها بقول «وهذا مستعار، وزلزلوا أبلغ من كل لفظ، كان يعبر به عن غلظ ما نالهم، ومعنى حركة الإزعاج فيها، إلا أن الزلزلة أبلغ وأشد» «٤٦».
ولكنّ الرمّاني أيضا لم يتوسّع في ربط الحركة الحسية بالحركة النفسية المضطربة التي تدل عليها حركة الزلزال الحسية بعنفها وشدتها، واضطرابها، بحيث لا يمكن اختيار كلمة أخرى موضعها للدلالة على الحركة المضطربة، وشدتها ونتائج الحركة في النفوس، وتآكلها، وانهيارها.
ويلحظ الرمّاني أيضا الحركة الخفيّة في قوله تعالى: فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ الأعراف: ٢٢.
فيقول معلقا عليها: «وحقيقته صيرهما إلى الخطيئة بغرور، والاستعارة أبلغ، لإخراجه ما يحس من التدلي من علو إلى سفل» «٤٧».
فالرمّاني صاحب ذوق رفيع وحس مرهف، فهو يلتقط الجانب الفني في الصورة، ويوضحه توضيحا موجزا، ولكنه لا يتعدى موضع الشاهد الذي يتحدث عنه. ولا يفصل في شرح الحركة وارتباطها بجمال الصورة، ولا ارتباطها بالنفس والشعور. شأنه في ذلك شأن غيره من القدماء الذين يكتفون بالنظرة الجزئية، والإشارة العابرة لموضع الإعجاز.
(٤٦) النكت: ص ٨٣.
(٤٧) المصدر نفسه: ص ٨٣.