ويلاحظ تجميع الصور المحسوسة وعرضها أولا وهي شاخصة حيّة، ثم عرضها، وهي فانية زائلة، وفي تصوير الفناء للكون والحياة، تسلّط الأضواء على الباقي المطلق المالك لهذا الكون والحياة والإنسان، وهو الله سبحانه.
وفي ظلّ فناء الكون تعرض مشاهد القيامة، ليكون الفناء بداية لحياة الخلود في الآخرة وبذلك تتحقق الوحدة الفنية في التصوير مطلعا وخاتمة ووسطا، فكل الصور
تتدفق ضمن نظام الروابط أو العلاقات، في تسلسل دقيق، وتصميم محكم، ليكون التصوير وسيلة لتحقيق الغرض الديني.
وقد يكون المطلع متعددا ومتنوّعا، ولكنّه يراعي نظام العلاقات المتوازنة بين الصور.
كقوله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ، وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ، إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ، فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ، خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ، إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ، يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ، فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ، وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ، إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ، وَما هُوَ بِالْهَزْلِ، إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً الطارق: ١ - ١٧.
فصورة النجم الثاقب للظلام، صورة كونية مألوفة، تمهّد الذهن، لصورة الرقيب على كل نفس والذي يطّلع على أسرار النفوس، ويثقب حجبها وأستارها السميكة، كما يثقب النجم الظلام.
ثم يمتد المطلع بصورة النجم الثاقب إلى صورة خلق الإنسان، فيوحي بالحركة نفسها في رسم حركة الماء الدافق وخروجه من المجهول إلى المنظور في خلق الإنسان وتكوينه.
ثم مطلع آخر في مقطع جديد وهو صورة المطر النازل من السماء، وصورة النبات الطالع من الأرض، ترتبطان أيضا بصورة النجم الثاقب في اختراق الحجب، والخروج من المجهول إلى المعلوم.
وكأنّ هذا التنويع في المطالع وما فيها من مظاهر القدرة الإلهية، تمهّد لفهم ما وراء صورة الإنسان، من قدرة أبدعته على هذه الصورة المكرّمة.
وفي سورة الليل نلاحظ تنويعا في المطلع فقط، يشدّ أجزاء الصورة إليه، في تلاحم دقيق، يقول تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى، إِنَّ سَعْيَكُمْ