الحسية يكون مصحوبا بحالة شعورية من شدة تأثير الصورة فيها. وكقوله أيضا: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ الأحزاب: ٥٢. والإعجاب تعبير عن أثر الصورة في النفس.
وكقوله تعالى عن نسوة يوسف: فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف: ٣١.
ويبقى السؤال لماذا كان للصورة الفنية هذا التأثير في النفس الإنسانية؟.
وقد حاول عبد القاهر الجرجاني أن يجيب عن هذا السؤال، حين أرجع ذلك إلى الفطرة الإنسانية أولا، التي تميل إلى اكتشاف المجهول أو المستور، يقول الجرجاني: «من المركوز في الطباع والراسخ في غرائز العقول أنه متى أريد الدلالة على معنى، فترك أن يصرح به، ويذكر باللفظ الذي هوله في اللغة، وعمد إلى معنى آخر، فأشير به إليه، وجعل دليلا عليه كان للكلام بذلك حسن ومزية لا يكونان إذا لم يصنع ذلك وذكر بلفظه صريحا» «٥».
فاللفظ المجرد لا يحدث في النفس ما تحدثه الصورة من تأثير، لأنه يقرّر المعنى بأسلوب مباشر مألوف، بينما الصورة فإنّها تثير شوقا لدى الإنسان لمعرفة هذا التعبير غير المباشر. وهذا الشوق لديه، يدفعه إلى إعمال الفكر، وبذل الجهد لمعرفة المقصود، وبذلك تتحقق له متعة اكتشاف المعنى المستور يقول عبد القاهر: «ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه ومعاناة الحنين نحوه، كان نيله أحلى، وبالمزية أولى، فكان موقعه من النفس أجل وألطف، وكانت به أضن وأشغف» «٦».
كما يلاحظ الجرجاني ميل النفس إلى المعرفة الحسية، على المعرفة الفكرية المجردة.
يقول: «أنس النفوس موقوف على أن تخرجها من خفي إلى جلي، وتأتيها بصريح بعد مكني، وأن تردها في الشيء تعلمها إياه إلى شيء آخر هي بشأنه أعلم، وثقتها به في المعرفة أحكم، نحو أن تنقلها عن العقل إلى الإحساس، وعما يعلم بالفكر إلى ما يعلم بالاضطرار والطبع، لأن العلم المستفاد من طرق الحواس أو المركوز فيها من جهة الطبع
(٦) أسرار البلاغة: ص ١١٨.