طريقته التصويرية للحقائق الدينية، فاستجاب له المؤمنون، وأعرض عنه المشركون استكبارا مع إقرارهم بتأثيره فيهم.
وليس هدف الصورة القرآنية التأثير في النفوس فقط، كما تفعل الصورة الأدبية عموما، بل إنها تقوم بالإضافة إلى التأثير في النفوس، بتجميع هذه المؤثرات النفسية، ضمن علاقات متوازنة أو وشائج لبناء النفس الإنسانية، وصياغة الإنسان وفق التصور الإسلامي.
فالوظيفة النفسية، تتعدى التأثير النفسي إلى بناء النفس، ضمن نظام الصورة الفنية وما فيها من علاقات ووشائج تعزف كلها، على أوتار النفس البشرية، فتجعلها تتجاوب معها تجاوبا كليا، وفق المنهج القرآني في تربية النفوس، وتهذيبها، وصقلها.
فتخاطب الصورة الإنسان بما فيه من طبيعة مزدوجة، من مادة وروح. كما خلقه الله سبحانه، وتركّز في خطابها على النفس والحس معا، ولا تهمل جانبا على حساب الجانب الآخر، لكي تكون ملائمة لتلك الطبيعة البشرية المزدوجة.
وقد لاحظنا في دراستنا التحليلية لوظائف الصورة العنصر الحسي والمعنوي فيها، حيث لم نجد انفصالا بينهما، بل هما خطان متوازنان، فيها، ومتلازمان أيضا.
فالتوازن بين الحسي والمعنوي ملحوظ في بناء الصورة القرآنية، كما هو ملحوظ في وظائفها أيضا.
والنفس الإنسانية فيها اتجاهات متقابلة فيها الخوف والرجاء، والحب والكره، والإيجابية والسلبية، والواقعية والخيالية، والفردية، والجماعية، والصعود والهبوط، والالتزام والانحراف، والتقوى والفجور..
هكذا خلقها الله سبحانه، فيها هذه الاتجاهات أو الاستعدادات المتقابلة والمتجاورة، لكي يتناسق ذلك مع مسئولية اختيار الإنسان، والأمانة التي تحملها، يقول تعالى في تأكيد هذه الاستعدادات: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها الشمس: ٧ - ١٠، وقوله أيضا: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ البلد: ١٠، وقوله أيضا: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً الإنسان: ٣، فالصورة تؤدي وظيفتها النفسية في مخاطبة هذه الاتجاهات المتقابلة في النفس، وهذه المشاعر المتناقضة، وتبني مشاهدها على ضوء ذلك، لكي تحقق تأثيرا قويا فيها، وتقيم توازنا بين هذه الاتجاهات أو المشاعر الانسانية


الصفحة التالية
Icon