المتأصّلة، وتبني الإنسان المتوازن بمشاعره وعواطفه لأنه هو الهدف الأساسي للصورة الوظيفية.
وقد تميّزت الصورة القرآنية، بوظيفتها النفسية، التي تخاطب فطرة الإنسان، وما أودعه الله فيها من هذه المشاعر المتقابلة والمتناقضة، وتوجيه الإنسان، كي يقيم التوازن بين مشاعره، فلا يغلّب جانبا على الآخر، حتى لا تضطرب حياته.
تحرك الصورة القرآنية، هذه المشاعر، وتهز هذه الأوتار النفسية المختلفة، في لحن متوازن متناسق فلا يطغى شعور على شعور، أو اتجاه على آخر.
فتخاطب هذه المشاعر المتأصّلة في فطرته، وتلبي حاجاتها، وترويها بما يناسبها، ويهذّبها، لتعمل مع المشاعر الأخرى في خط متوازن، لبناء النفس المتوازنة، والإنسان المتوازن فمشاعر «الخوف والرجاء» فطرية في النفس الإنسانية، وهي متقابلة فيها ومتجاورة، تخاطبها الصورة القرآنية، فتحركها، وتبعثها من كوامنها لتهذّبها،
وتضعها في خطها الصحيح.
لأن هذه المشاعر لها تأثيرها في سلوك الإنسان وحياته، فلا بدّ من تقويمها، وإقامة التوازن بينها حتى تستقيم حياة الإنسان السلوكية والنفسية.
فالإنسان مثلا يخاف من الموت، بفطرته، ولكن هذا الخوف إذا تغلّب على الشعور المقابل له في الرجاء بالحياة والأمل فيها، فإن حركة الإنسان في الحياة تتوقّف وتجمد.
لذا نلاحظ أن الصورة القرآنية، تحرر النفس من المخاوف الفاسدة، فتجعله مقدرا محددا، والمخاوف منه، لا تغيّر من حقيقته شيئا.
يقول تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ آل عمران: ١٨٥، فالموت هو الأجل المحتوم لكل إنسان، فلا يفيد الهرب منه قال تعالى: قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ آل عمران: ١٥٤.
وصور العذاب في اليوم الآخر، تهدف إلى تخويف الإنسان من عذاب الله، وتحريره من الخوف من سواه، لأن الله وحده هو الذي يملك الكون والحياة والإنسان.
والتركيز على الصور الحسية للعذاب، وسيلة من وسائل التخويف كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ النساء: ٥٦.
ويجتمع العذاب الحسي والمعنوي في الصورة فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ


الصفحة التالية
Icon