الفصل الثاني مقوّمات الصورة الفنية في القرآن الكريم
إنّ الصورة الفنية في القرآن الكريم متميّزة بطبيعتها ووظيفتها، كما هي متميّزة بمواد تشكيلها أو مقوّماتها، ومقوّمات الصورة القرآنية تشكّل وحدة متماسكة لا تنفصل فيها بعض أجزائها عن بعض، بل هي نسيج واحد، تتلاحم فيه المقوّمات أو الأجزاء، ليؤدي كل جزء منها دوره في تشكيل الصورة ضمن النسق المعجز.
وحين نفصل بين هذه المقوّمات هنا، فليس هدفنا تجزئة الصورة، وتقطيعها، أو تفضيل عنصر على آخر، وإنما الهدف هو تسهيل الدراسة النظرية لمعرفة طبيعة الصورة الفنية في القرآن، ومعرفة الوشائج القوية، التي تربط بين هذه المقوّمات للصورة.
وأهم هذه المقوّمات للصورة القرآنية هو «الفكر الديني» فهو المكوّن الأساسي لها، والمحور الثابت الذي تدور بقية المقومات الأخرى من حوله، وضمن إطاره. حتى غدا هذا الفكر من أهمّ ما يميّز الصورة القرآنية عن غيرها من أنواع الصور الأدبية.
والفكر الإسلامي معروض في الصور القرآنية بشكل منظم ومتكامل، ضمن أنساق تعبيرية مصورة، تبرز ملامحه وصفاته، فالله هو الخالق لكل شيء، والمخلوق بصفاته البشرية محتاج إلى خالقه.
وتقوم الصورة بتحديد علاقة المخلوق بخالقه، فترسم حدودها ومجالاتها، ابتداء من المعرفة الإنسانية التي مصدرها الله سبحانه، فالإنسان خلق لا يعلم شيئا، ولكن الله سبحانه زوّده بأدوات المعرفة وأسبابها، ليكون هذا الإنسان متميّزا عن بقية المخلوقات وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ