وَالْأَفْئِدَةَ النحل: ٧٨. ووَ عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ النساء: ١١٣.
وتقرن الصورة الحديث عن معرفة الإنسان بعلم الله، فالمعرفة الإنسانية ناقصة، والمعرفة الإلهية مطلقة وكاملة وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ الأنفال: ٦٠.
والأشياء لها وجود خارجي. مستقل عن إدراك الإنسان ومعرفته، فهي مخلوقة لله سواء أأدركها الإنسان أم لم يدركها. وهذه المخلوقات الخارجية قسمان: مخلوقات عالم الشهادة وهي تشمل كل ما يحيط بالإنسان في عالم الطبيعة، من نبات وجماد، وحيوان، وإنسان.
وهذه المخلوقات واقعة تحت إدراك الإنسان، يدركها بحواسه المعروفة، وهناك مخلوقات غيبية، لا تقع تحت حواس الإنسان وإدراكه.
والصورة القرآنية تستمد من العالمين المشهود وغير المشهود، مواد تشكيلها أو مقوّمات بنائها الفني وقد حضّ الله سبحانه الإنسان على التأمل في العالم المحسوس، وزوّده بالعقل لإدراكه، وفهم أسراره حتى يصل في النهاية إلى الخالق الذي أبدع هذا الكون، ولكن هذا الربط بين الموجودات الحسية والعقل البشري لا يعني أن نقيم التلازم التام بينهما فنعتبر الإدراك البشري هو المعيار لكل موجود، فهناك موجودات لا يدركها عقل الإنسان، مثل ماهية الذات الإلهية، وصفاتها، ولكنّ العقل يقرّ بوجودها وإن لم يدرك الماهيات «١».
فالصورة القرآنية تركّز على الجوانب المفيدة للمعروفة الإنسانية. وتهمل ذكر المعرفة التي لا تفيد الإنسان في حياته فهي تصوّر لنا آثار الله في مخلوقاته، وبديع صنعه، ولا تتحدث عن ماهية الخالق، وتكتفي بأنه ليس كمثله شيء، لتبقى صورته مطلقة في ذهن الإنسان، كذلك في تصوير الملائكة والجن، تعرض للجوانب التي تخص الإنسان
وتفيده في حياته. مع تصحيح تصوّره عن هذه المخلوقات الغيبية.
ويشعر الإنسان- وهو يتابع صور القرآن، ويتأمل عرضها لعالم الشهادة، وعالم الغيب، بانجذاب إليها وتفاعل معها، لأنها صور تغذّي عقله بالمعرفة الحقّة، من مصدرها الأصيل، وتقدم له تفسيرا عن حياته التي يجهل مصدرها ونهايتها، وغايتها، وتفسيرا عن الكون والوجود والإنسان، على نحو منظم ومتناسق، بحيث يشعر الإنسان بوحدة كونية رائعة، من خلال وحدة المصدر الذي انبثق منه هذا الوجود، وهو الله سبحانه الخالق، ووحدة المصير

(١) مصادر المعرفة في الفكر الديني والفلسفي: د. عبد الرحمن بن زيد الزنيدي. ص ٨٩.


الصفحة التالية
Icon