والنهاية، حيث يرجع الإنسان إلى خالقه للحساب والجزاء.
ولكن الصورة لا تغلّب الجانب الفكري على الجانب الفني، بحيث يبدو الفكر جافا وباردا، وكذلك لا تغلّب الجانب الفني على الفكري حتى لا تبدو الصورة فارغة جوفاء. بل نجد القرآن الكريم يتّخذ الصورة الفنية وسيلة للتعبير عن الأغراض الدينية أو الفكر الإسلامي.
والفكر باعتباره مكوّنا للصورة القرآنية يقوّي من تأثيرها في المتلقي، وقد لاحظ النقاد أهمية الفكر في تشكيل الصورة الأدبية عموما. فعبد القاهر الجرجاني أدرك منذ القديم أهمية الفكر في تشكيل الصورة، ودور الصورة في إبرازه، وتوضيحه والتأثير في المتلقي، يقول الجرجاني: «إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنها قد جسّمت حتى رأتها العيون... » «٢»، «ومن المركوز في الطبع أن الشيء إذا نيل بعد الطلب له أو الاشتياق إليه، ومعاناة الحنين نحوه كان نيله أحلى... » «٣».
ثم إنّ هذا الفكر في الصورة القرآنية متصل بالواقع، ولا ينفصل عنه، فهو يعرف الإنسان بالواقع المحيط به، ويكشف له عن حقيقته، ويوضّح له دوره في هذا الواقع المعاش، وحتى حين تعرض الصورة القرآنية عالم الغيب أو الآخرة، فإن الانتقال من الحياة الدنيا إلى الحياة الأبدية في الآخرة يتمّ بشكل منطقي متدرّج، وذلك بربط عالم الغيب المستور، بعالم الشهادة، حتى يتدرّج العقل في إدراك هذه النقلة، من عالم محسوس إلى عالم غير محسوس، من خلال تقديم الأدلة والبراهين على ذلك.
بهذه الصورة نفهم العلاقة الوثيقة بين الفكر والواقع، ضمن الصورة الفنية وخارجها في القرآن، فالفكر داخل الصورة ينسجم مع الواقع خارج الصورة ولا ينفصل عنه، لأن الموجودات الخارجية في الواقع المعاش ترجع في الأساس، كما يرجع الإنسان والحياة وكل شيء إلى مصدر واحد، وهو الله سبحانه الذي أوجد العالمين المشهود وغير المشهود، وبذلك يكون التواصل بين الصورة القرآنية والمتلقي أكثر فاعلية وتأثيرا من الصور الأدبية. لأن الصور الأدبية الأخرى تفقد هذه الخاصية التي تميّز الصورة القرآنية.

(٢) أسرار البلاغة: ص ٣٣
(٣) المصدر السابق: ص ١١٨.


الصفحة التالية
Icon