وهي خاصيّة الربانية والإيجابية مع الواقع والحياة بالإضافة إلى التوازن القائم بين الدنيا والآخرة أو بين عالم الشهادة وعالم الغيب، وهذا التوازن قائم في حسّ المؤمن كما هو قائم في الصورة القرآنية بين الفكر والصورة أو بين الغرض الديني والغرض الفني.
والمكون الثاني للصورة هو «الواقع»، وقد يكون الواقع أحداثا تقع وقت نزول القرآن، وقد يكون قصصا تروى، ونماذج ترسم بدقة وعناية. والصورة القرآنية في هذا كلّه تعبّر عن الحقيقة، ولا تبعد عنها، لأن الذي أوجد الأشياء هو الله سبحانه، وهو أعلم بما خلق، وهو الذي يخبرنا عن حقائق الأشياء، ليزوّد الإنسان بالمعرفة الصحيحة من خلال إثارته وجدانيا بالصور المرسومة. وبهذا تجمع الصورة القرآنية بين الحقيقة والفن، أو بين الصدق الفني والصدق الواقعي، وليس هناك انفصال بينهما في الصورة القرآنية كما هو معروف في الصورة الأدبية عند الشعراء.
فالصورة القرآنية تمتاز بالصدق الواقعي، لأن الله هو الذي يخبرنا عن الواقع الذي خلقه، وهو أعلم بما خلق، فليس في الصورة القرآنية تلفيق واختراع كما عند الشعراء بل الحقيقة الواقعية المصوّرة بالبيان المشرق. والصدق الفني يكمن في «جمال العرض، وتنسيق الأداء، وبراعة الإخراج» «٤»، أو هو «إبداع في العرض، وجمال في التنسيق، وقوة في الأداء» «٥».
وهذه ميزة الصورة القرآنية إذ أنها تعرض الحقيقة الواقعة بأسلوب فني مؤثر، دون أن تحيد عن الحقيقة أو تبتعد عنها وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً النساء: ٨٧.
وقد تعوّد كثير من الأدباء والشعراء أن يهتموا بالصدق الفني دون الصدق الواقعي، فركّزوا في أعمالهم الأدبية على النواحي الفنية بهدف التأثير في القراء، سواء أجاء هذا التأثير من صور حقيقية أم من صور ملفّقة، ظنّا منهم أن الاقتراب من الصدق الواقعي قد يضعف قصصهم ومشاهدهم، ويفقدها قيمتها التأثيرية، حتى زعم الدكتور محمد أحمد خلف الله في كتابه «الفن القصصي في القرآن الكريم» أن قصص القرآن وصوره ونماذجه من قبيل الصدق الفني، وليس لها دلالات واقعية «٦».
(٥) المصدر السابق: ص ٢٥٩.
(٦) انظر الفن القصصي في القرآن الكريم: ص ١٣٧ - ١٣٨.