وهذه فكرة باطلة، لأنها تشكّك في القصص القرآني، وأخباره، وتعتبرها من قبيل العرض الفني، وهي تدلّ على تأثّر صاحبها بالمفاهيم الأدبية في دراسته للأسلوب القرآني، وفاته أن يدرك خصوصية النص القرآني، وتميّز أسلوبه.
إن الصورة القرآنية لا تبتعد عن الصدق الواقعي من أجل تحقيق أغراض فنية ممتعة، كما زعم محمد أحمد خلف الله، لأن القرآن ليس كتاب إمتاع فني، بل هو كتاب هداية للبشر، متميّز بأسلوبه الفني المعجز.
وهذا يعني أن الصدق الفني يتمثّل في العرض الجميل للحقائق الواقعة، وهو بهذا يعطينا نموذجا لعرض الحقيقة الواقعة بأسلوب فني دون الإخلال بها أو الابتعاد عنها.
ويتمثل الصدق الواقعي في كثرة الصور القرآنية المستمدة من عناصر الواقع، مثل السراب، والحجارة، والحمر المستنفرة، والعنكبوت، والخشب المسندة، والحمار، والكلب، والمهاد، والأوتاد، والعرجون، والصم، والبكم، والعمي، والرماد، والريح، والبحار، والأمطار، والسحاب، والنبات، واللؤلؤ والمرجان، وأعجاز النخل، والهشيم، والغثاء، والرميم، والجراد، والفراش، والعهن، والجبال، والجمال، والليل، والنهار، والنجوم، والسماء، والأرض، والظلّ والحرور... إلخ».
حتى إن صور النعيم والعذاب يوم القيامة، تستمد عناصرها من الواقع المألوف لدى الإنسان. فالواقعية إذا هي السمة البارزة في الصورة القرآنية، أما قوله تعالى إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: ٦٥. فهذه الصورة للشياطين كانت راسخة في أذهان الناس لمنتهى القبح والشر، فجاءت الصورة القرآنية تعتمد عليها في تشكيل صورة مفزعة، وبذلك تكون واقعيتها في رصيدها النفسي في الطباع والنفوس وإن لم يروها في العالم المحسوس «٧».
كما أن الصورة القرآنية تنقل لنا الأحداث الواقعة وقت نزول القرآن، بكل تفصيلاتها تصويرا حيا فيه اللمسات الفنية والنفسية، والتوجيهية. لأن القرآن جاء لبناء واقع جديد، وفق تصوّر إسلامي، وبناء هذا الواقع يقتضي هدم الواقع الجاهلي بكل أشكاله وصوره وأفكاره، وذلك