بتصوير ما فيه من هبوط ودنس وبؤس للإنسان، ثم تصوير الواقع الإسلامي البديل، بكل آفاقه ومراميه.
فالصورة القرآنية تتفاعل مع الواقع لتحقيق الهدم والبناء في الوقت نفسه، هدم الوثنية، وبناء صرح الإسلام، فهي صورة فنية تطرح بديلا عن واقع الجاهلية، وتقدّم نموذجا حيا للواقع الجديد، ومن خلال التفاعل الإيجابي بين الفكر الإسلامي والواقع، تبرز الصورة الفنية في القرآن متميّزة بتشكيلها الفني القائم على رؤية إسلامية واضحة للحياة والكون والإنسان.
كما تبرز الواقعية في مواد الصورة الحسية، والأحداث الواقعة، والقصص الماضية...
والمكوّن الثالث هو «الخيال» وهو قوة تجمع بين الأشياء المتباعدة في نسق فني، يقرّب الأشياء المتباعدة ويصهرها في «الصورة» التي يحل فيها الانسجام بين الأشياء المتباعدة، والتوافق بين الأشياء المتنافرة.
ويرجع أرسطو الخيال إلى الإحساس فيرى أن «المحسوس قد تغيب صورته عن الحس المشترك وتبقى صورته المتخيلة» «٨»، وقد انتقل مفهوم أرسطو للخيال، وعلاقته بالإدراك الحسي إلى الفلاسفة المسلمين.
فالفارابي يرى أن انطباع المحسوسات كانطباع نقش الخاتم على الشمع، فالإدراك يناسب الانتقاش وحفظ صور المحسوسات وظيفة الخيال «٩».
وابن سينا يشرح علاقة التخيل بالإحساس بقوله: «الشيء قد يكون محسوسا عند ما يشاهد ثم يكون متخيلا عند غيبته بتمثل صورته في الباطن» «١٠».
وبناء على هذا فإن الخيال يستمد مادته من الواقع المحسوس، ولكنه لا يبقى في حدود الواقع الحسي بل يمتد إلى علاقات جديدة، في الصورة الفنية الموحية. التي تثير خيال المتلقي، وتدفعه إلى استحضار الصور الذهنية المختزنة في الذاكرة للواقع الحسي.
ومصطلح «التخييل» انتقل من الفلسفة إلى البلاغة والنقد، فسيء الظن به عند العرب،
(٩) المصدر السابق: ص ١٣.
(١٠) المصدر السابق: ص ١٣.