لأن المترجمين لكتب أرسطو، ترجموا كلمة «فنطاسيا» مرة بالتخيّل ومرة بالتوهّم «١١».
حتى إن عبد القاهر الجرجاني قسم المعاني إلى عقلية وتخييلية، ووازن بينهما، واعتبر التخييلي مناقضا للحقيقي، وفضّل المعنى الحقيقي لأنه مدار الأحاديث النبوية وكلام الصحابة «١٢».
ولكن الجرجاني أحسّ بالحرج والاضطراب أمام استعارات القرآن الكريم التي تعتمد التخييل، لذلك رأى أن سبيل الاستعارة هي «سبيل الكلام المحذوف، في أنك إذا رجعت إلى أصله وجدت قائله وهو يثبت أمرا عقليا صحيحا ويدعي دعوى لها سنح في العقل» «١٣».
ولكن الاستعارة ووجوه البلاغة من مجاز وتشبيه تعتمد الخيال في عرض الحقيقة للإيحاء بها كما يقول الدكتور غنيمي هلال: «فوجوه البلاغة المختلفة هي من وسائل الإيحاء بالحقيقة عن طريق الخيال» «١٤».
ويبدو أن الزمخشري كان أكثر فهما ودقة لمصطلح «التخييل» إذ استبعد منه كل دلالة على التوهم والخداع والكذب، ونظر إليه على أنه «تمثيل للمعاني المجردة، وطريقة من طرائق تجسيم المعنوي، وتصويره للحس» «١٥».
فالتخييل طريقة فنية في التعبير، وقد ركّز حازم القرطاجني على أهميته ووظيفته في التعبير، وركّز على دوره في التأثير بالمتلقي، وتوجيه سلوكه، فهو عنده يهدف إلى التأثير النفسي «١٦».
لذلك لم يتحرج سيد قطب من تخصيص فصل له بعنوان «التخييل الحسي» في كتابه «التصوير الفني في القرآن» «١٧»، لأنه يرى التخييل طريقة فنية في التعبير، واعتبره قاعدة التصوير الأساسية في القرآن الكريم.
فالصورة القرآنية تثير خيال المتلقي، ليستقبل المعنى عن طريق الحس والوجدان والفكر
(١٢) المصدر السابق: ص ٨١.
(١٣) المصدر السابق: ص ٨٢ عن أسرار البلاغة: ٢٥٣.
(١٤) النقد الأدبي الحديث: ص ٢٣٥.
(١٥) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: ص ٨٣.
(١٦) المصدر السابق: ص ٨٧.
(١٧) التصوير الفني في القرآن: ص ٧١.