والشعور، إنها صورة فنية تثير المشاعر والانفعالات، كما تثير الخيال ليتابع أجزاء الصورة، ويتأملها، ويكونها في ذهن المتلقي.
ففي قوله تعالى: «مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ... » إبراهيم: ١٨.
يتخيل القارئ الرماد المتراكم الذي تذروه الريح في يوم عاصف، وتكاد كل لفظة في الآية تساعد على اكتمال التخييل الحسي في الصورة المرسومة.
وقد يتخذ التخييل الحسي ألوانا من التشخيص والتجسيم أو الحركات السريعة المتوقعة يقول الله تعالى: «وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّما خَرَّ مِنَ السَّماءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكانٍ سَحِيقٍ» الحج: ٣١.
إنّ هذه الصورة تدفع الخيال لمتابعة الحركات السريعة، لسقوط هذا المشرك من السماء، وفي لمح البصر تخطفه الطير، أو ترميه الريح في مكان سحيق، بعيد عن الأنظار، ويترك للخيال أن يتأمل صورة خطف الطير له، وصورة تمزيقه قطعا، أو يتابع حركة سقوطه في مكان سحيق بعيد...
والمكوّن الرابع: هو العاطفة فهي التي تمدّ الصورة بنسخ الحياة والتأثير، وبدونها تصبح باردة جافة. لهذا اعتبرها الدكتور محمد زكي العشماوي هي كل شيء في الصورة: «والصورة بدون عاطفة فارغة» «١٨».
فالتلاحم بين الصورة والعاطفة قوي واضح، فأي صورة فنية تثير في المتلقي استجابة شعورية، تختلف درجتها باختلاف الصورة وتأثيرها فيه لأن «القوى المحركة للعواطف محصورة بالصورة» كما يقول ريتشاردز «١٩».
ولكنّ العاطفة ترتبط بالمكوّنات الأخرى للصورة، لتثير مشاعر المتلقي، وتحرره من الزمان والمكان معا ليعيش آفاق الصورة الشعورية والنفسية، وهذا ما عبر عنه «باوند» بقوله: «الصورة هي التي تعرض مركبا عقليا وعاطفيا في لحظة من الزمن» «٢٠».

(١٨) فلسفة الجمال في الفكر المعاصر: د. محمد زكي العشماوي ص ٩٥.
(١٩) الصورة بين البلاغة والنقد: ص ٢٨.
(٢٠) الصورة الفنية في النقد الشعري: ص ١٩٤ ولغة الشعر العربي الحديث: الدكتور السعيد الورقي ص ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon