المعايير الجمالية، ويظهر ذلك في تركيب حروفها ومفرداتها وعباراتها، فهي لغة التصوير الفني أو «لغة المجاز» «٢٣» على رأي العقاد والمجاز هو أداة التصوير الفني.
فالألفاظ ليست جامدة بل هي ألفاظ حية، لها ظلالها، وإيحاءاتها، وقد هيّأ التعبير القرآني للألفاظ نظاما ونسقا وجوا ملائما على أحسن ما يكون، فسمح للألفاظ بأن تشعّ وتوحي بالظلال والصور، وتتناسق مع الجو النفسي أو الشعوري العام الذي يرسمه، يقول الله تعالى: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا» الطور: ١٣.
فالدعّ هو الدفع بالظهور، والمدفوع في النار يصدر صوتا قريبا من جرس العين الساكنة، لذلك فإن الصورة اختارت في تشكيلها اللغوي هذا الحرف بالذات، لتكون الصورة المرعبة توحي بهيئة مخصوصة وهي الدفع في الظهور رغم إرادتهم، كما تجسّم حالتهم النفسية وما هم عليه من خوف وفزع.
فاللغة العربية لغة تصويرية، يظهر ذلك في الاستعمالات المجازية، والاستعمالات الحقيقية، فحين نقول: «تمايل الرجل» فإن هذا التعبير الحقيقي، يرسم صورة لرجل يترنّح يمينا وشمالا، وهذه الصورة مركبة من عبارة حقيقية، لا مجازية.
فالصورة بمفهومها الجديد تساعد على استثمار اللغة، واستخراج خصائصها بوصفها مادة بنائية، تهدف من تركيب الكلمات والعبارات إلى بعث الصور الموحية عن طريق التعبير المجازي أو الحقيقي، بحيث تعود للكلمات قوة معانيها التصويرية «٢٤» وقد لاحظ العقاد أن كثيرا من الألفاظ العربية ما زالت تحتفظ بمعناها الحقيقي مع شيوع معناها المجازي، وهذا الاقتران بين المعاني المجردة للألفاظ والمعاني المحسوسة كثير في اللغة العربية كما يقول العقاد «٢٥».
فمثلا كلمة «زكاة» تعني الزيادة والنمو، كما تعني الحسن واللياقة «٢٦»، وقد تناول القرآن هذه المادة اللغوية، واستثمرها في الدلالة على معنى جديد، فأصبح المعنيان يتجاوران في ذهن المتلقي، يثيران فيه صور النماء الحسية والمعنوية معا، وهي صور غنية ومتنوّعة.
(٢٤) لغة الشعر العربي الحديث: ص ٧٠.
(٢٥) اللغة الشاعرة: ص ٢٦ - ٣١.
(٢٦) المعجم الوسيط: مادة زكو.