تتجاوز الحياة الدنيوية إلى صور النماء والزيادة في الآخرة، فالألفاظ في الصورة القرآنية تشعّ بالظلال التي تثير الخيال وتمتعه، والمقصود بها تلك الظلال «التي يخلعها وراء المعاني» «٢٧»، ليبقى التخيل في متعة التأمل.
وظلال الألفاظ ترجع إلى ما وراء الشعور، إلى تلك الصور المختزنة في الذاكرة والتي صاحبت الألفاظ في تاريخها الطويل، كذلك ترجع ظلالها إلى السياق الذي وضعت فيه.
وظلال الألفاظ هي متعة الخيال، لأن الظلّ يلقى في الخيال كما يلقى الجرس الموسيقى في الأذن ولكنّ هذه الظلال للألفاظ لا يدركها إلّا «الحس البصير حينما يوجه إليها انتباهه، وحينما يستدعي صورة مدلولها الحسية» «٢٨».
إن الصورة القرآنية بلغت قمة الإعجاز في تشكيلها للغة، وتطويعها لأغراضها الدينية والفنية، وقد تجلّى ذلك في اللفظ الفصيح العذب، والمعنى المترابط، والنسق الموحي
المصوّر، والإيقاع الموسيقى المتناسق مع جوّ الصورة ومعناها.
والمكوّن السادس هو «الإيقاع» وهو مرتبط ببقية المكونات الأخرى، وللإيقاع دوره في تشكيل الصورة وتأثيرها في المتلقي.
والإيقاع في الصورة القرآنية مكوّن واضح لها، فقد يكون الإيقاع فيها شديدا ملحوظا، أو هادئا لينا، وقد يكون سريعا خاطفا أو بطيئا متأنيا، حسب المعنى أو السياق العام.
ففي سورة «الضحى» مثلا يسير الإيقاع هادئا ليّنا ليتناسق مع الصورة الفنية المرسومة من الإطار الهادئ في الضحى الطالع، والليل الساجي، وصورة اليتم والرضى في السورة كلها.
ولكن الإيقاع في سورة «العاديات» يشتد ويقوى ويسرع، ويتضح ذلك في صورة الخيول العادية والضابحة والمغيرة بسرعة، وفي صورة بعثرة القبور، وتحصيل ما في الصدور.
وفي سورة «الفلق» نلاحظ الإيقاع الثقيل الشديد، وهو واضح في صورة النفاثات في العقد، وصورة الحاسد والحسد...
ويتكون الإيقاع من أمور عدة، من مخارج الحروف، وصفاتها، وحركاتها، وتتابعها بنسق معين، أو تفرّقها، ومن الكلمات، فالجمل، والعبارات، أي أن جرس الحروف أولا يكوّن جرس
(٢٨) التصوير الفني في القرآن: ص ٩٥.