فتوزّعت هنا وهناك في النص القرآني، ولكنها تعود ثانية إلى مصدرها الذي انبثقت منه ضمن نظام العلاقات والروابط بين الصور.
وهكذا يتم الانتقال من الصورة الجزئية، إلى الصورة الكلية، ومن الصورة المحدودة، إلى الصورة المطلقة وتعتبر «الصورة المركزية» التي تدور حول الألوهية هي أساس الصور الأخرى فبأمره سبحانه وجدت صور الحياة والكون والإنسان، لذا فإن الصورة المركزية هي مصدر قوة بقية الصور، فهي حاضرة في جميع الصور القرآنية، قد تكون ظاهرة للعيان، بصورة مباشرة، وقد تكون مضمرة، ولكنها مدركة عند تأمل أجزاء الصور وعلاقاتها وإيحاءاتها.
ووظيفة الصور تكمن في توضيح الصورة المركزية، وإبرازها، وبيان قوتها، وجمالها، وجلالها، وقد تبدو أحيانا بعض الصور الجزئية شاردة، بعيدة عن الصورة المركزية، ولكن السياق يبرز الصورة المركزية وهي تمسك بالصورة الشاردة لتعيدها إلى سياقها المتفاعل مع الصور الأخرى، وبذلك ندرك قوة الروابط أو العلاقات في الصورة القرآنية، هذه الروابط التي تبدأ بالصورة المفردة وتفاعلها ونموها ضمن نظام العلاقات التصويرية، لتبلغ قمتها في «الصورة المركزية» وهذه العلاقات ملحوظة في حركة النمو الصاعد للصور القرآنية، وحركة الهبوط أيضا والتلاشي، حين تفنى جميع الصور والأشكال، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
وبذلك ندرك جمال الصورة القرآنية، وقوة تأثيرها في النفوس، لأنها صورة تعتمد على الإيحاء القوي النافذ عبر حركة نامية صاعدة، تمضي بالمتلقي من المحسوس إلى المجرد ومن المحدود إلى المطلق ومن الجزئي إلى الكلي، وهذا الانتقال عبر هذه الدوائر يحرك عقل الإنسان ووجدانه، ويعمّق وعيه بواقعه من خلال هذه الطاقة الإيحائية للصورة المركزية، وقوة تأثيرها في الإنسان المخلوق. إن جمال الصورة القرآنية، يرجع إلى هذا التناسق بين أجزاء الصورة المفردة. وتناسق الصورة المفردة مع النسق العام، ثم في تناسق هذا البناء الفني القائم على التصوير في الأسلوب القرآني.
حيث تصبح الصورة المركزية هي أوضح صورة، يهدف القرآن إلى التعريف بها فكل خطوط الصور وفروعها، تتركّز في خدمتها لتكون أكثر إيحاء وتأثيرا في توجيه المتلقي


الصفحة التالية
Icon