لا تكاد تختلف». والسبب في ذلك يرجع برأيه إلى طبيعة التشبيه ذاته، لأنه يقوم على الفصل بين المركبين المشبه والمشبه به، وإقامة المشابهة والعلاقة الذهنية بينهما «٣». وهذه نظرة فيها مغالاة، لأن التشبيه أسلوب من أساليب البيان، استخدمه القرآن الكريم، وإذا كان البلاغيون قد قصّروا في فهمه، فلا يعني هذا نسفه من أساسه، والهجوم عليه.
ويأخذ الدكتور مصطفى ناصف على العرب مغالاتهم في تقدير التشبيه، وإعلاء مكانته، ويرجع هذه الفتنة بالتشبيه إلى المنهج العربي المحافظ الذي يحفل بالروعة والجلال.
كذلك يأخذ على النقاد العرب اهتمامهم بالجانب التقديري فيه، دون البحث في قيمته، وانصرافهم إلى وضع القواعد الصارمة، والتقسيمات العقلية التي تسوّي بين الدلالة الأدبية، والتعريفات المنطقية. ويرجع مصطفى ناصف نظرية التشبيه عند العرب إلى نظرية الفن القائمة على «التجريد» لذلك اهتم البلاغيون والنقاد بالتناظر والتقابل في التشبيه، بدافع التجريد المعروف في الزخارف الإسلامية والذي يكره الفراغ في الفن «٤».
ولكن الدكتور ناصف- على الرغم من هجومه على نظرية التشبيه عند العرب- كان منصفا في نظرته إلى الصورة القرآنية فقد أرجع قصور البلاغيين القدماء وضيق فهمهم للتشبيه إلى عدم استفادة العرب من الأسلوب القرآني في نظرتهم إلى التشبيه. فهم «لم يستلهموا روح القرآن في التصوير، ولو فعلوا، لأنكروا تعدد التشبيه وقلبه، والبعد والغرابة، والاستطراف، والمفاضلة بين البليغ وغير البليغ» «٥».
فالتفاوت كبير جدا بين «الصورة القرآنية» وأذواق البلاغيين والنقاد، الذين ظلّوا في إطار الصورة الجزئية الحسية، ولم يرتقوا في قواعدهم إلى آفاق الصورة القرآنية التي تجمع بين الحسية والنفسية، والجزئية والكلية...
والسبب- في رأي الدكتور عصام قصبجي- يرجع إلى «أن صلة النقاد بتقاليد الشعر الجاهلي كانت أعمق من صلتهم بالتصوير القرآني» «٦».
فعلى الرغم من أن القرآن الكريم كان مصدر العلوم الإسلامية، إلا أن النقد والنقاد
(٤) الصورة الأدبية: ص من ٤٦ - ٧١.
(٥) المصدر السابق: ص ٧٢.
(٦) نظرية المحاكاة في النقد العربي القديم: د. عصام قصبجي. ص ١٠٠.