كانوا يضعون مقاييسهم النقدية بعيدا عن روح الأسلوب القرآني، لذلك كانت العناية بالظواهر الحسية، في الصورة، والعلاقات العقلية، والقواعد الصارمة، التي انتهت إليها البلاغة القديمة.
فقد نظر القدماء إلى التشبيه من خلال العلاقة بين المشبه والمشبه به، والتناسب الظاهري بينهما، وليس التناسب النفسي، واشترطوا التمايز بين الطرفين. ورفضوا فكرة التفاعل بينهما، وحرصوا على وضع الحدود والقواعد بينهما حتى لا يتم هذا الامتزاج أو هذا التفاعل. فقد رأى قدامة بن جعفر أن الشيء لا يشبه غيره من جميع الوجوه إذ لو «تشابها من جميع الوجوه ولم يقع بينهما تغاير البتة، اتحدا، فصار الاثنان واحدا» «٧»، ويكرر أبو هلال العسكري، فكرة قدامة هذه لأنه «لو أشبه الشيء الشيء من جميع جهاته لكان هو هو» «٨»، لذلك راح القدماء يكرسون جهودهم في البحث عن التناسب المنطقي بين طرفي التشبيه، والصفات المشتركة بينهما فإذا كان المشبه يشبه المشبه به في أكثر صفاته، اعتبر هذا التشبيه حسنا وجيدا. يقول ابن سنان: «الأحسن من التشبيه أن يكون أحد الشيئين يشبه الآخر في أكثر صفاته ومعانيه، وبالضدّ حتى يكون رديء التشبيه ما قلّ مشبهه بالمشبه به» «٩».
فنظرة القدماء للتشبيه. تركّز على المشابهة بين الطرفين، والتطابق الخارجي بينهما، دون البحث عن القيمة النفسية للأشياء كما يقول جابر عصفور «١٠».
حتى إن المطابقة الخارجية بين طرفي التشبيه، أصبحت معيارا على صدق التشبيه وحسنه، بحيث لو عكس التشبيه، ظل التشبيه صحيحا. يقول ابن طباطبا: «فأحسن التشبيهات ما إذا عكس لم ينتقض، بل يكون كل شبه بصاحبه مثل صاحبه، ويكون صاحبه مثله مشتبها به صورة ومعنى» «١١».
وقد طبق ابن ناقيا البغدادي هذا المعيار على التشبيه الوارد في قوله تعالى:

(٧) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: ص ١٩٢ عن نقد الشعر لقدامة ص ١٠٨.
(٨) كتاب الصناعتين: ص ٢٦٢.
(٩) سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجي ص ٢٣٧.
(١٠) الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: ص ١٩٣.
(١١) عيار الشعر: ابن طباطبا ص ١١.


الصفحة التالية
Icon