وقد وفّق الشاعر فيه، ولكنه لم يوفّق في التطابق النفسي، لأن صورة الهلال في السماء تثير مشاعر إنسانية تختلف عن المشاعر التي تثيرها صورة الزورق الفضي المثقل بالعنبر التي تعبر عن حياة ابن المعتز المترفة.
إن القواعد التي وضعها القدماء للتشبيه ضرورية ولكنها غير كافية، ضرورية لتحقيق الانسجام والتناسق بين عناصر الشكل الأدبي، وغير كافية، لأنها لا بدّ أن ترتبط بالشعور الذي يمنحها الحيوية والقوة وهذا ما تحققه الصورة القرآنية التي جمعت بين التناسق الشكلي، وبين التناسق النفسي، بحيث لا يمكن الفصل فيها بين الشكل والمضمون، أو بين العقل والشعور.
ولو أن النقاد والبلاغيين القدماء استفادوا من طريقة القرآن التصويرية ما وقفوا عند التناسب الشكلي فقط في الصورة التشبيهية بل ربطوا بين الشكل والمضمون، ولم يفصلوا بينهما.
يقول الدكتور مصطفى ناصف بهذا المعنى: «والمحقّق أن براعة المجاز القرآني لم تصوّر تصويرا مشرفا في عصر من العصور، وأن القرآن لم يتذوق تذوقا خالصا، ولو فعلوا لما قالوا: إن التشبيه الأدبي يقوم على المشاركة بين الأشياء في ظواهرها، وألوانها، وأقدارها... » «١٩».
وإذا تأملنا الصورة التشبيهية في القرآن، نلاحظ أنها تستمد عناصرها من عالم الإنسان والنبات والحيوان والجمال، فالمشبه به هو «السراب، والماء، والبحر، والظلمات، والرماد، والحجارة، والعهن، والجراد، والفراش، والهباء المنثور، والوردة، والمهل، وأعجاز النخل، والهشيم المحتظر، والعصف المأكول، والرميم، والغثاء، والمهاد، والأوتاد، والعرجون القديم، والنور، والصم، والبكم، والعمي، والحمار، والكلب، واللؤلؤ، والبنيان المرصوص، والريح، والسنبلة... إلخ».
وهذه الصور محسوسة، وعناصرها باقية على مر الأزمان، وهي متجددة ومتنوعة، وحيّة في النفوس، تتفاعل معها وتتأثر، وهي قريبة مدركة، كذلك فإن المشبه متنوع في الصورة فهو الحياة الدنيا، والأرض والسماء، والشمس، والقمر، والموج، والجبال، والأصنام،

(١٩) الصورة الأدبية: ص ٨٦.


الصفحة التالية
Icon