وأحوال الكافرين، وأعمالهم... إلخ.
ونضرب بعض الأمثلة من القرآن الكريم، لندرك التناسب الظاهري والتناسب النفسي معا في الصورة التشبيهية والتي كان يمكن للبلاغيين القدماء أن يستفيدوا منها في أثناء وضعهم للقواعد البلاغية، ولو فعلوا ذلك لتغيرت النظرة إلى البلاغة القديمة، وبقيت فنا قائما، ومعيارا نقديا لتقويم الأعمال الناجحة.
يقول الله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس: ٣٩.
فهذه الصورة التشبيهية، يلاحظ فيها التناسب الشكلي والتناسب النفسي معا، فتشبيه القمر في آخر الشهر بالعرجون القديم، غنيّ بالدلالات النفسية، والإيحاءات الشعورية، وليس مقصورا على المشابهة أو المطابقة في الشكل فحسب كما يرى القدماء، وإنما هناك التناسب النفسي بين المشبه والمشبه به أيضا. من ذلك أن العرجون القديم لا يلتفت إليه، كذلك القمر في آخر الشهر، ومنها أن كلا من القمر والعرجون القديم كان محط الاهتمام والأنظار في الماضي، العرجون لثمره، والقمر لضيائه، ومنها هذه النهاية لكل منهما، في الأفول والزوال والفناء بعد رحلة طويلة من العطاء والتعلّق بهما.
فصورة القمر تثير في النفس المشاعر نفسها التي يثيرها العرجون القديم، من حيث النمو والتحوّل، ثم الزوال والعدم والتناسب في الشكل ملحوظ في هذا النمو والتحوّل بين طرفي التشبيه، كما أن التناسب النفسي ملحوظ أيضا في نمو المشاعر الإنسانية وتطورها، بحسب كل مرحلة لهما، وتبقى هناك وراء هذه الصورة الحسية، دلالة دينية. تلقي بها هذه الصورة في مخيلة القارئ. وهي أن صورة الإنسان في هذه الحياة تشبه هذه الصورة الحسية، في الكون والنبات في نموّها وتحوّلها من الضياء والعطاء إلى الأفول والزوال.
ولا يقتصر التناسب الشكلي والنفسي في الصورة القرآنية على التشبيه المفرد. كما تقدم، وإنما هو سمة بارزة في أنواع التشبيه الأخرى، والصورة القرآنية عموما.
يقول الله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى، فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ، وَما كانُوا مُهْتَدِينَ، مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ، أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ، يَكادُ الْبَرْقُ