يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة: ١٦ - ٢٠.
ففي هذه الآيات تشبيهان مركبان أو تمثيليان، ففي التشبيه الأول، يصور القرآن المنافقين وحيرتهم واضطرابهم وقلق نفوسهم، فقد كانوا في ظلمة الكفر فآمنوا ظاهرا، فأوقدت لهم نار، فأضاءت ولكنهم سرعان ما عادوا إلى ظلمات التخبط والكفر، فالتناسب في الصورة واضح بين ظلمة الظاهر، وظلمة باطن النفوس، فأسند ذهاب النور إلى الله، ليفيد معنى الإزالة الكاملة للضياء، ثم جمع «الظلمات» ثم قال لا يُبْصِرُونَ وذلك لتأكيد معنى كثافة الظلمات الظاهرية لتناسب ظلمات نفوسهم القاتمة.
وفي التشبيه الثاني يصورهم بمن أحاط بهم صيّب من السماء، شديد كثيف، تحجب كثافته الرؤية، ثم فيه رعد، وبرق، يثيران الهول والفزع، فيحاولون إدخال أصابعهم كلها في آذانهم للهروب من صوت الرعود القاصفة، والصواعق النازلة. ثم يصوّر اضطرابهم وقلقهم من خلال رصد حركتهم السريعة كلما لمع البرق والتناسب الظاهري والنفسي ملحوظ في عناصر التشبيه، كما هو واضح في البناء والتركيب فكلمة (صيب) تفيد شدة الانصباب، كانصباب الهول فوق رءوسهم، وتصويرهم يحاولون إدخال الأصابع في آذانهم يعبر عن حالة نفسية خائفة مرتجفة. وفي قوله كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ تصوير لحالتهم النفسية التي تنتهز الفرصة للإفلات من الهول المرعب. والتعبير ب قامُوا في قوله وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا أدق في التصوير من وقفوا لأن قامُوا توحي بالرغبة في الإفلات والهروب والبقاء في حالة الاستعداد الدائم، انتظارا للفرصة كما أنها ملائمة لجوّ السياق المتحرك على عكس وقفوا فهي توحي بالجمود والثبات، والسياق كله حركة ملحوظة في انصباب الصيّب، ولمعان البرق، وحركة الأصابع في الآذان، ومحاولة الإفلات والهروب، بالإضافة إلى الحركة في داخل النفوس الخائفة في مثل هذا المشهد المخيف.
وأحيانا يكون التناسب النفسي هو الرابط بين طرفي التشبيه، زيادة في تحريك الخيال، كقوله تعالى: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ الصافات: ٦٤ - ٦٥، فصورة الشجرة النابتة في أصل الجحيم صورة غريبة غير محسوسة، تناسبها صورة رءوس الشياطين.