فالتناسب هنا بين الطرفين غير مدرك بالحواس، لأننا لا نعرف شيئا عن هذه الشجرة الغريبة التي تنبت في أصل الجحيم، وطلعها كأنه رءوس الشياطين، إنها شجرة مختلفة عن الأشجار الأخرى المعروفة، فهي شجرة غريبة ومنفّرة، فناسبتها صورة رءوس الشياطين الغريبة والمنفرة أيضا. ورءوس الشياطين غير مدركة بالحواس ولكن ما ترسب في النفس من كراهيتها، والنفور منها عند الناس، جعلها صالحة للتشبيه بها فالتناسب هنا بين الطرفين، تناسب نفسي، يستمد معينه من التخيل، والأثر النفسي الذي تتركه الصورة قوي الإيحاء، عميق الدلالة. وهذه الصورة ليست شكلية حسية، وإنما هي تخييلية ذات أثر نفسي. لهذا فهي تفتح آفاقا واسعة لخيال المتلقي، ليتصور ماهية الشجرة الغربية، ولا يهدأ خياله من تصورها حتى يبدأ بتصور «رءوس الشياطين» فيتحقق الغرض من التصوير في التخويف من عذاب الله.
والقرآن الكريم مصدر ثري، للصورة الفنية التي تجمع بين التناسب الشكلي والتناسب النفسي معا، وهو مثال يحتذى في التصوير والتأثير، ولكن النقاد لم يستفيدوا منه في هذا المجال «لأنهم لم يجدوا في تقسيماتهم المنطقية التعميمية ما يصلح لخصوصيات القرآن الرفيعة، فظلت هذه الخصوصيات بمنأى عن أيديهم، وعن قواعدهم الصارمة» «٢٠».
وإذا انتقلنا إلى الاستعارة، نجد أنها تعتمد على المشابهة أيضا، ولكن المشابهة فيها لا تقوم على ثنائية ملحوظة كما في التشبيه، وإنما تعتمد على التفاعل القوي بين طرفي التشبيه إلى درجة الصهر في مركب جديد، نطلق عليه اسم «الاستعارة».
لذلك يكون الخيال في الاستعارة نشيطا وكبيرا، وبخاصة في الاستعارة المكنية التي يكون فيها الانصهار أكبر من الاستعارة التصريحية، لأن «المكنية» تعتمد على التشخيص أو التجسيم بينما التصريحية تقوم على الاستبدال من لفظ لآخر.
ولكنّ القدماء نظروا إليها من خلال العلاقة بين «الحقيقة والمجاز» «٢١»، فجاءت تعريفاتهم لها مشتركة في مفهومي «النقل والعلاقة أو المشابهة» «٢٢»، فدارت أبحاثهم حولها من خلال
(٢١) انظر آراء العلماء في المجاز في كتاب «المجاز في البلاغة العربية: الدكتور مهدي صالح السامرائي. ص ١٤٣ - ١٦٣.
(٢٢) معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: الدكتور أحمد مطلوب ج ١ ص ١٣٨ - ١٤١.