هذين المفهومين، ومن خلال الأعراف اللغوية القائمة، والتناسب المنطقي. ولم يدركوا ما في الاستعارة من تداخل وتفاعل وصهر وإعادة تشكيل للمعنى «٢٣»، باستثناء الجرجاني الذي نظر إليها من خلال مفهوم «الادّعاء» وليس من مفهوم النقل اللفظي، فقد رأى صعوبة تصور نقل الكلمة من معناها الأصلي، ونحن نقصد معناها في الوقت نفسه، لذلك استبعد «النقل» من مفهوم الاستعارة، وأكّد مفهوم «الادّعاء» فيها. يقول الجرجاني عن الاستعارة:
«إنما هي ادّعاء معنى الاسم للشيء لا نقل الاسم عن الشيء» «٢٤».
فالجرجاني يرى أن الاستعارة تترجم المعنى، وليست تفاعلا لتشكيل المعنى الجديد، لذا حرص على التمايز والادعاء بين طرفي العلاقة والتناسب والمشابهة فنظر إليها كما نظر إلى التشبيه من خلال المنطق العقلي. وإذا كان التشبيه يقوم على القياس والمشابهة بين حدين واضحين، فإن الاستعارة تتجاوز هذه المشابهة لادعاء دخول المشبه في المشبه به، «فتضع اللفظ بحيث تخيل أن معك نفس الأسد والبحر والنور كي تقوي أمر المشابهة وتشدده» «٢٥»، فالاستعارة- عنده- ليس نقلا للفظ عن معناه
الأصلي، وإنما تخييل بأنه قد صار إلى غير جنسه، ولكن عبد القاهر رأى أن ادعاء دخول المشبه في المشبه به لا يقصد بهذا الادعاء أن المشبه يشبه المشبه به في كل شيء، وإنما في صفة معينة، وهذا يعني أن الجرجاني، عاد من جديد إلى رأي البلاغيين في نقل اللفظ عمّا وضع له في الأصل «٢٦».
فنظرة القدماء للاستعارة ظلّت تقوم على مفهوم «النقل» وثنائية المنقول منه والمنقول إليه، ولم ينظر إلى طرفي الاستعارة على أساس التفاعل بينهما، بحيث يقوم كلا الطرفين، بدورهما في الاستعمال الاستعاري.
فالمستعار والمستعار له يجتمعان في لفظ الاستعارة، ولا يترك أو ينسى واحد لحساب الآخر عند الدكتور مصطفى ناصف الذي يرى أن الاستعارة وليدة التفاعل بين المستعار والمستعار له، لتوليد المعاني «٢٧».
(٢٤) دلائل الإعجاز: ص ٤٣٧.
(٢٥) أسرار البلاغة: ص ٢١٠.
(٢٦) المصدر نفسه: ٤٧ - ٤٨.
(٢٧) الصورة الأدبية: ص ١٤٢.