ويوضّح طبيعة التفاعل بين الطرفين بقوله: «إن الاستعارة عبارة عن فكرتين اثنتين، عن شيئين مختلفين تعملان خلال كلمة أو عبارة واحدة، تساندهما معا، ومعنى هذه الكلمة أو العبارة هو الناتج عن تفاعلهما» «٢٨».
لذلك يصعب استخراج طرفي الاستعارة لما بينهما من تفاعل مستمر. وقد أدرك الزمخشري من قبل هذه الصعوبة فاختار مصطلح «التخييل» لكي يبقى على التفاعل المستمر بين طرفي الاستعارة «٢٩».
كذلك فإن الدكتور ناصف يرى صعوبة تحليل الاستعارة على أساس الطرفين المختلفين، لأن الطرفين فيها يتفاعلان حتى غدت «الاستعارة هي الحقيقة وأصبح تحليلها غير ممكن» «٣٠».
من هنا ندرك أن تقسيم الاستعارة إلى تقسيمات عقلية، أو تحليلها إلى أجزاء مكونة لها، أو إجرائها على طريقة القدماء من خلال الرؤية الثنائية للعلاقة بين الحقيقة والمجاز، كل ذلك يفقدها حيويتها وتأثيرها ويجردها من سياقها، وفاعليتها، ويجعلها جزئية مفككة، وهي في حقيقتها وحدة منسجمة، يتفاعل فيها المستعار والمستعار له، لتوليد المعنى المراد، فهي طريقة فنية مثيرة للخيال، والفكر والشعور وقد تميّزت استعارات القرآن بأنها تمزج بين حدّي الاستعارة، لتشكيل المعنى الجديد، كما أنها متنوعة تجري على ألوان مختلفة لاستفاد ما في اللغة من طاقة تصويرية. وقد يكون الاستعمال الاستعاري في القرآن، قريبا من الإدراك، لقرب الاستعمال الحقيقي للكلمة من الاستعمال المجازي. كقوله تعالى:
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً الأعراف: ١٦٨، والتقطيع في الآية هو التفريق، ولكن المعنيين متقاربان، يتفاعلان في الاستعمال الاستعاري للإيحاء بتقطيع الرواب الاجتماعية، التي كانت متلاحمة ومتماسكة، وتقطيع الروابط النفسية المصاحبة لتلك الروابط الاجتماعية.
وكأن التقطيع هنا لإفادة استئصال الروابط الاجتماعية والنفسية المصاحبة لها.
وقد يستعمل القرآن الكريم لفظ «مزّق» بدلا من قطّع، للإيحاء بالتمزيق الحسي أو المادي،
(٢٩) الصورة الأدبية: ص ٨٧ - ٨٨.
(٣٠) المصدر السابق: ١٣٣.