الْكُنَّسِ، وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ التكوير: ١٥ - ١٨.
فالتعبير القرآني يخلع الحياة على الكواكب السيارة فإذا هي ظباء رشيقة، تجري وتتحرك، وتختبئ في كناسها، ثم ترجع في جهة أخرى وهكذا هي في حركتها المنظورة، دائمة الظهور والاختفاء، والليل أيضا شخص يتحرك، يعسّ في الظلام، والصبح أيضا حي، يتنفس كما يتنفس الأحياء، ولكن عن الحركة والضياء والحياة.
وقد يدخل عنصر «الترشيح» على الاستعارة، ليزيد من تفاعل حدّيها، وتناسي التشبيه بينهما، لتقوية المعنى المقصود كقوله تعالى: أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ التوبة: ١٠٩.
ويلاحظ في هذه الصورة الاستعارية، أنه حين استعمل الجرف الهاري، في التعبير عن الباطل، رشّحه بقوله: فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ بمعنى أنه هوى به في أودية جهنم، فجاء بلفظ فَانْهارَ الذي هو للجرف ليصور أن المبطل أسس بنيانه، على شفا جرف من النار، فانهار به في جهنم مباشرة، دون فاصل بين تأسيس البنيان على الباطل وبين الانهيار في النار، لهذا جاء العطف بالفاء ليفيد التعقيب والترتيب بين المقدمة والنتيجة، أو بين الباطل والنار، وبهذا تتضح العلاقة الوثيقة بين الاثنين في التصوير والتعبير والتأثير.
وقد تكون الاستعارة «تمثيلية» كقوله تعالى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها آل عمران: ١٠٣.
فقد كانوا قبل الهدى والإيمان، يطاردهم الموت، حتى يوشك أن يخطفهم، ويرميهم في العذاب، ولكن الله أنقذهم من هذا المصير بالإيمان والهدى.
فقد صوّرهم القرآن قبل الإيمان على حافة النار، وكادوا يسقطون فيها، فجاء الإنقاذ بالإيمان في اللحظة المناسبة، والصورة مليئة بالدلالات المعنوية والفنية، حيث نلاحظ دقة التصوير في قوله عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ الذي يتسم بالحركة والحذر، والانفعالات الوجدانية في مثل هذا الموقف، بالإضافة إلى الدلالة على قرب النار من أهل الزيغ والضلال حيث لا يفصلهم عنها إلا حركة واحدة متوقعة، تهوي بهم في قعر جهنم.
وقد تقع الاستعارة «في الحروف» وهذه الاستعارة كما يقول الدكتور محمد أبو موسى، تبعث صورا مستحسنة في التعبير، وتعطي التركيب عمقا وخصوبة في مدلوله. وهذا اللون