وفي قوله تعالى: وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... النساء: ٩٢ صورة فنية تقوم على الانتقال من الجزئي في سبيل الوصول إلى الكلي، من خلال نظام العلاقة بين الجزئي والكلي، ومن خلال نظام الأنساق التعبيرية الواردة ضمنه الصورة، فالجزئي هنا «الرقبة» توحي بالكلي، لأن المراد التخليص من قيود العبودية، والرقبة هي موضع أغلال العبودية، فاقتضى الاعتماد عليها في الصورة ويلاحظ في القرآن الكريم كثرة الصور المعتمدة على الجزئي للوصول إلى الكلي، ليظلّ خيال المتلقي يتنقل بينهما، في حركة ناشطة، تبعث المتعة والجمال للمتلقي، لأنه يظل يبحث عن هذه العلاقات بين الدالّ والمدلول، في الصورة، ثم ارتباط الصورة بسياقها العام وتناسقها معه.
يقول الله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة: ١٩٥.
إن هذه الصورة التي يرسمها المجاز هنا ذات دلالة دقيقة، لأن الأيدي هي أداة الإنفاق، أو الإمساك لذلك فإن التعبير القرآني بينى عليها صورة الهلاك، أو صورة النجاة.
ثم هذه الصورة تتناسق مع السياق الواردة فيه، الذي يحضّ على الإنفاق، لهذا صوّر الشخص كلّه في هذا الجزء منه، وتوقّف على هذا الجزء مصير الكل، فالعلاقة إذا بين الدال والمدلول علاقة تفاعل وتأثر، فالأيدي تقود صاحبها إلى الهلاك في حالة الإمساك، كما تقود صاحبها إلى النجاة في حالة الإنفاق.
فالصورة ليست في اللفظة، وفي استخدامها في غير ما وضعت له أصلا، وإنما هي في العلاقة بين الدال والمدلول من جهة، وبين ارتباط الدال والمدلول بالسياق العام للآية، وبذلك يتحرر المجاز المرسل من النظرة الجزئية، والعلاقة التبادلية بين حديه، ليصبح ضمن نظام العلاقة السياقية، فيشتد ارتباطه بالصورة الكلية التي يرسمها السياق، من هذه الصور الجزئية المرتبطة به.
ويؤكد هذا الارتباط بين الدال والمدلول في المجاز من ناحية، والسياق من ناحية أخرى، كثرة تعبير القرآن عن الصلاة بجزء من أجزائها المهمة حسب ما يقتضيه السياق. مثل القيام والركوع والسجود.
يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا المزمل: ١ - ٢، وكَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ العلق: ١٩، ووَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ