السَّاجِدِينَ الحجر: ٩٧ - ٩٨ ووَ إِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ المرسلات: ٤٨.
فالتعبير بالدال قُمِ اللَّيْلَ على المدلول «الصلاة»، جاء متناسقا مع السياق، فالقيام هو أشق الأركان في صلاة الليل، لذلك كان التعبير به، ليقود إلى المدلول «الصلاة» فالمجاز ليس ألفاظا تحذف لمجرد الحذف، وإنما هو حركة متفاعلة مع السياق، فليست العلاقة بين الدال والمدلول علاقة لفظية فقط، أو علاقة تبادلية بين الألفاظ كما تعلمنا أن نقول، وإنما هي علاقة بنائية، يقتضيها السياق، وبذلك يسهم المجاز في إثراء المعنى وإبرازه، عن طريق مفاجأة المتلقي بالعلاقة الجديدة في التعبير، فيركّز اهتمامه على الدال، موضع الاهتمام في التعبير القرآني دون أن يهمل المدلول الذي هو حاضر في الذهن، لأنه مرتبط بالدال، ومتفاعل معه. وفي سياق تسلية الرسول ﷺ والتسرية عنه، والتخفيف مما يعانيه من الأذى القولي والفعلي، كان التعبير بالسجود، متناسقا مع سياق القرب من الله، والخضوع له فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ وفي قوله: وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ يتحدث السياق عن العرب الذين يأنفون الخضوع والانقياد لأمر الله فاقتضى هذا السياق، استعمال الدال «الركوع» الذي هو رمز الامتثال والخضوع، وهو في الوقت نفسه يقود إلى المدلول «الصلاة» لأنه مرتبط به بعلاقة وثيقة متلاحمة، كما أنه متفاعل مع السياق في الوقت نفسه إن هذا التنويع في الدوال للمدلول الواحد، يؤكد على نظام العلاقات في الصورة الفنية التي يقيمها السياق فالسياق القرآني هو الذي فرض هذا التنويع في الدوال مع بقاء المدلول الواحد «الصلاة» وهو تنويع يزيد المعنى وضوحا وتأثيرا ويجعل الصورة القرآنية بناء متحدا متناسقا وليس أجزاء منفصلة.
فليست الصورة المجازية قائمة على مجرد حذف كلمة، أو استخدام جزء ليدل على الكل، وإنما هي صورة مكوّنة من العلاقة بين الدال والمدلول من جهة، والسياق الواردة فيه من جهة أخرى.
والإجراء البلاغي للمجاز بصورته القديمة، لا يعطينا هذا المفهوم، لأنه ظلّ يركّز على النواحي الشكلية في الصورة دون أن ينفذ إلى البناء المعنوي لها. لهذا فإن الإجراء القديم للمجاز يعتمد على التقسيمات العقلية دون الالتفات للمعنى المراد، والسياق العام الوارد فيه المجاز، كما أنه لا يبرز خصوصية النص القرآني حين يفصله عن المعنى والسياق.