وقد تكون صورة الدال والمدلول حاضرة في الذهن، بحيث يذكّر الدال بالمدلول، والمدلول بالدال، لتجاورهما وملازمة أحدهما للآخر، حتى يصعب على المرء تصور أحدهما دون استحضار الآخر مثل «السحاب والسماء» في قول الله سبحانه وتعالى: يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً نوح: ١١.
فالسماء هي الدال، والسحاب هو المدلول، ويلاحظ شدة الارتباط والتجاور بين الاثنين عند ما ينظر الإنسان إلى السماء، لذلك كان استعمال الدال هنا بمثابة ذكر للمدلول، لأنه حاضر في الذهن بمجرد ذكر السماء ولكن استعمال كلمة «السماء» هنا جاءت متناسقة مع سياق الاستغفار للإيحاء بشمول رحمة الله وغيثه لكل المستغفرين، فكأن السماء كلها، قد أرسلت عليهم مدرارا بالإضافة إلى أن السماء توحي بالغيث المعنوي إلى جانب الغيث الحسي، ومصدر الاثنين السماء.
وقد يكون «الزمن» هو الرابط بين الدال والمدلول. ففي قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى طه: ٧٤ استخدم كلمة «مجرما» في سياق يوم القيامة، وهي وصف له في الزمن الماضي، للإيحاء بأن صفة الإجرام تظل ملازمة له حتى يواجه العقاب عليها يوم القيامة. وهذا الامتداد في الزمن بدون انقطاع يجعل صورة الإجرام وصورة العقاب متلازمتين، حتى يرسخ العقاب مع الإجرام في الذهن وإذا كان الزمن الماضي يمتد نحو المستقبل، فإن المستقبل أيضا يتواصل مع الحاضر ليؤدي دلالته المعنوية المؤثرة فيظل المجرم في حياته كلها يحمل آثار المهانة والحسرة على ما فعل إلى أن يواجه العقاب في يوم الحساب.
ويلاحظ أيضا أن التجاوز الزمني الذي تحمله الدلالة المجازية في الآية، يتناسق مع سياق يوم الحساب، حيث تتبدل الأشياء، ويتغير الزمن المألوف، فكأن السياق الزمني غير المألوف يوم القيامة، اقتضى أيضا تغيرا في الدلالة الزمنية للمجاز، وبذلك يكون التجاوز الزمني في الدلالة متناسقا مع الزمن غير المألوف في يوم القيامة. وهذا ما نلاحظه أيضا في قوله تعالى: إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً يوسف: ٣٦.
فالتجاوز الزمني في الدلالة المجازية في الآية، بتناسق مع جوّ «الحلم» الوارد في السياق. فكما أن الزمن في الحلم يختلف عن الزمن المألوف في اليقظة، فكذلك التعبير