[قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] ﴿البقرة ٢٥٩﴾
فالطعام والشراب لم (يتسنّه) أي لم تُغيّره السنون. فالحليب لم يزل حليبًا بعد مائة سنة، لأنّ الله أوقف الزمن.
وقد أعمل الزمن في الحمار فأصبح ترابا ثم أوقف الزمن فأصبح التراب حمارًا. فالزمن بقدرته وقد يوقف الزمن قليلا لبعض الناس وهو ما نسميه (البركة) في الوقت. إن ما تم على يد النبي - صلى الله عليه وسلم- في ربع قرن لم يتم مثله على يد نوح في عمره الطويل وقد يشعر الناس به في آخر الزمن العام كالشهرٍ، والشهر كالأسبوع. رفع البركة من الزمن.
لقد شهد التاريخ حياة بعض العلماء عاش بعضهم سنوات قلائل وتركوا علما لو وزّعناه على أيام عمره لعجزنا. ابو حامد الغزالي كم عمرْ؟ وماذا ترك؟ بينما رفع الله البركة من أعمار بعض الناس فبلغ من العمر ما بلغ ومع ذلك كانت حصيلته كفقراء اليهود لا دنيا ولا دين. ومما أذكره ولا أنساه هذه القصة.
قلت في خطبة الجمعة بجامع البنية ببغداد
أما تدري؟ أما آن الحداد؟ وهل لبياض لحيتك اسوداد؟ وهل بعد المشيب يلذّ لهوا؟ وهل يبقى مع الشيب الفساد؟
وبعد صلاة الجمعة جاءني صبيّ في العاشرة يطلب هذه الأبيات. قلت له: هل تحبّ الشعر؟ قال: لا ولكنّ أحبّ أبي لقد بلغ السبعين وما جمعه بالمسلمين مسجد ولا مجلس، إلا مجالس العزاء وأريد أن أطلب منه أن يصحّح لي هذه الأبيات لعله ينتفع بها. أقول له صحح لي هذه الأبيات. وأنا أريد منه أن يقرأها.
فسرني أدبه: أريد أن يصحّح له هذه الأبيات. ولم يقل أريد وعظه بها.


الصفحة التالية
Icon