وقد عقب الإمام ابن جرير الطبري على الأقوال التي أوردها في معنى الآية تعقيباً لطيفاً، ورجَّح منها القول الذي قال به الصحابة والتابعون وجمهور العلماء.
قال: وأوْلى هذه الأقوال وأصحّ التأويلات عندنا، ما رُوي عن أبي بكر الصديق، وكأنه يقول: إنه لا يضركم ضلال من ضل، إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، وأدَّيتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلماً لمسلم أو معاهد ومنعه منه، فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيِّه وضلاله.
وإنما كان هذا أوْلى التأويلات بالصواب: لأن الله أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البرّ والتقوى. ومن القيام بالقسط الأخذُ على يدي الظالم. ومن التعاون على البرّ والتقوى الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو كان للناس تَرْكُ ذلك لم يكن للأمر به معنى.
وعلى هذا يدخل في معنى الآية ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب: إذا اهتديتم: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر. ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما الإمام فخر الدين الرازي، فقد ردَّ ما قد يفهمه البعض من الآية، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير واجبين، وأنها تقدِّم رخصة للناس في تركهما:


الصفحة التالية
Icon