وأخرج ابن جرير عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء بن عازب: يا أبا عمارة: الرجل يلقى ألفاً من العدو فيحمل عليهم، وإنما هو وحده، أيكون ممن قال الله: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾؟ فقال: لا. ليقاتل حتى يُقتل: قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿فَقاتِلْ في سَبيلِ اللهِ لا تكَلَّفُ إلا نَفْسَك﴾.
وقد جعل الإمام الطبري الإِلقاء بالنفس إلى التهلكة شاملاً للمعاني الثلاثة التي ذكرها السلف: وهي ترك النفقة في سبيل الله، وترك الجهاد في سبيل الله، واليأس من رحمة الله عند الذنب.
قال: فإذا كانت هذه المعاني كلها يحتملها قوله: ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾، ولم يكن الله عز وجل خصَّ منها شيئاً دون شيء. فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله " نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة -وهي العذاب- بترك ما لزمنا من فرائضه. فغير جائزٍ لأحدٍ منّا الدخول في شيءٍ يكرهه الله منا، مما نستوجب بدخولنا فيه عذابه.
ونحن مع الصحابة والتابعين في معنى الآية، حيث يتبيَّن لنا -من الروايات التي أوردناها- أنها تأمر بالإنفاق في سبيل الله، وتعتبر التهلكة ترك الإقدامِ والجهادِ في سبيل الله، وترك النفقة في سبيل الله، أما النفقة فليست تهلكة، وأما الإقدام والجهاد فليس تهلكة ولو أدَّى إلى الاستشهاد.
ونستطيع -من خلال إمعان النظر في الآية، واستصحاب بيان الصحابة والتابعين لمعناها، وتصويبهم للانحراف في فهمها- أن نستخلص منها بعض حقائقها ومفاهيمها.