في الدليل عليه، وقد تقدَّم عن عليٍّ - رضي الله عنه - أنَّه قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُمْ الْحَدَّ، مَنْ أَحْصَنَ مِنْهُمْ وَمَنْ لَمْ يُحْصِنْ" (١)، وعموم الأحاديث ليس فيها تفصيل بين المزوجة وغيرها". اهـ (٢)
القول الثالث: أنَّ الأَمَة المحصنة تُحَدُّ نصف حدِّ الحُرَّة أخذاً بمنطوق الآية، وأمَّا قبل الإحصان فمنطوق الحديث وعمومات الكتاب والسنة شاملة لها في جلدها مائة؛ كقوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور: ٢]، وكحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ". (٣)، وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا المذهب هو المشهور عن داود بن علي الظاهري. (٤)
ولم يرتضِ أيضاً الحافظ ابن كثير هذا المذهب، وتعقبه فقال: "وهو في غاية الضَّعْفِ؛ لأنَّ الله تعالى إذا كان أمر بجلد المحصنة من الإماء بنصف ما على الحرة من العذاب - وهو خمسون جلدة - فكيف يكون حكمها قبل الإحصان أشدّ منه بعد الإحصان؟ وقاعدة الشريعة في ذلك عكس ما قال، وهذا الشارع عليه السلام سَأَلَه أصحابه عن الأَمَة إذا زَنَت ولم تحصن فقال: "اجلدوها" ولم يقل مائة، فلو كان حكمها كما زعم داود لوجب بيان ذلك لهم؛ لأنهم إنما سألوا عن ذلك لعدم بيان حكم جلد المائة بعد الإحصان في الإماء، وإلا فما الفائدة في قولهم ولم تحصن، لعدم الفرق بينهما لو لم تكن الآية نزلت، لكن لمَّا علموا أحد الحكمين سألوا عن الآخر فَبَيَّنَه لهم". اهـ (٥)
قلت: مذهب داود هذا هو الأقرب لظاهر النصوص، وهو من أحسن المذاهب في الجمع بين الآية والحديث، إلا أنَّه يُعَكِّرُ عليه ما نَوَّه إليه الحافظ
_________
(١) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (١٧٠٥).
(٢) تفسير ابن كثير (١/ ٤٨٩).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، حديث (١٦٩٠).
(٤) انظر: المغني، لابن قدامة (٩/ ٤٩)، وتفسير ابن كثير (١/ ٤٨٨).
(٥) تفسير ابن كثير (١/ ٤٨٨). وانظر: المغني، لابن قدامة (٩/ ٤٩)، وزاد المعاد، لابن القيم (٥/ ٤٤).