سعيد، رضي الله عنهما، قالا - واللفظ لأبي هريرة -: "بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ: لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ. فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَامَ فَلَطَمَ وَجْهَهُ وَقَالَ: تَقُولُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، وَالنَّبِيُّ - ﷺ - بَيْنَ أَظْهُرِنَا. فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي. فَقَالَ: لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ؟ فَذَكَرَهُ. فَغَضِبَ النَّبِيُّ - ﷺ - حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: لَا تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصْعَقُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ بُعِثَ، فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالْعَرْشِ، فَلَا أَدْرِي أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ، أَمْ بُعِثَ قَبْلِي، وَلَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَفْضَلُ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى". (١)
قالوا: فالنهي إنما ورد إثر هذه الخصومة؛ فهو محمولٌ على مثل هذه الحالة.
المذهب الثالث: أنَّ النهي محمولٌ على ما إذا كان التفضيل بمجرد الرأي والهوى، لا بمقتضى الدليل.
وهذا مذهب: الطحاوي، وابن كثير، والمناوي، والسندي، وابن عثيمين، وهو الظاهر من كلام الشوكاني. (٢)
قال الطحاوي: "وَكَانَ هَذَا عَنَدْنَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - عَلَى التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمْ وَعَلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُمْ بِآرَائِنَا وَبِمَا لَمْ يُوقِفْنَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، فَأَمَّا مَا بَيَّنَهُ لَنَا وَأَعْلَمَنَا فَقَدْ أَطْلَقَهُ لَنَا وَعَادَ مَا نَهَى عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، وَلَمْ يُطْلِقْ لَنَا الْقَوْلَ فِيهِ بِمَا قَدْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنَعَنَا مِنْهُ، وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ". اهـ (٣)
وقال الحافظ ابن كثير: "قوله تعالى: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ
_________
(١) سبق تخريجه في أول المسألة.
(٢) انظر على الترتيب: مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٥٧)، وتفسير ابن كثير (٣/ ٥٠)، وفيض القدير، للمناوي (٣/ ٤٢)، وشرح سنن ابن ماجة، للسندي (٤/ ٥٠٥)، وتفسير ابن عثيمين، البقرة
(٣/ ٢٣٩)، وفتح القدير، للشوكاني (١/ ٤٠٧).
(٣) مشكل الآثار، للطحاوي (١/ ٥٧).


الصفحة التالية
Icon