وهذا مذهب الجمهور، واختاره جمع من العلماء المحققين، كابن حزم، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر، والشوكاني، وغيرهم.
وقد اختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن الآيات، والجمع بينها وبين الأحاديث على أقوال:
الأول: أنَّ الزيادة الواردة في الأحاديث هي بالنسبة لعلم المَلَك الموكل بالعمر، وأما ما ورد في الآيات فهو بالنسبة لعلم الله تعالى، فيكون معنى الأحاديث: أنَّ التأخير يكون في أثره المكتوب في صحف الملائكة، وأما أثره المعلوم عند الله تعالى؛ فلا تقديم فيه ولا تأخير.
وهذا قول: البيهقي (١)، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والحافظ ابن حجر، والسفاريني (٢) (٣)، وعبد الرحمن السعدي (٤).
وذكره النووي، وابن الجوزي، وأبو العباس القرطبي (٥)، وأبو عبد الله القرطبي، والمناوي (٦). (٧)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والجواب المحقق: أنَّ الله يكتب للعبد أجلاً في صحف الملائكة، فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب، وإنْ عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب... ، والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون; فهو يعلم ما كتبه له، وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها; فلهذا قال العلماء: إنَّ المحو والإثبات في صحف الملائكة، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالماً به، فلا محو فيه ولا إثبات". اهـ (٨)
_________
(١) القضاء والقدر، للبيهقي، ص (٢١٤).
(٢) هو: محمد بن أحمد بن سالم السفاريني، أبو عون، عالم بالحديث والأصول والأدب، ومحقق، ولد في سفارين (من قرى نابلس) ورحل إلى دمشق فأخذ عن علمائها، وعاد إلى نابلس فدرس وأفتى وتوفي فيها، من مؤلفاته "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" و "لوامع الأنوار البهية" شرح منظومة له في عقيدة السلف، (ت: ١١٨٨ هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٦/ ١٤).
(٣) لوامع الأنوار البهية، للسفاريني (١/ ٣٤٩).
(٤) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي، ص (٦٧٩).
(٥) هو: أحمد بن عمر بن إبراهيم، أبو العباس الأنصاري القرطبي، فقيه مالكي، من رجال الحديث. يعرف بابن المزين. كان مدرساً بالإسكندرية وتوفي بها. ومولده بقرطبة. من كتبه "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" شرح به كتاباً من تصنيفه في اختصار مسلم. (ت: ٦٥٦هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (١/ ١٨٦).
(٦) هو: محمد بن عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين، الحدادي، ثم المناوي القاهري، زين الدين: من كبار العلماء بالدين والفنون، له نحو ثمانين مصنفاً، منها الكبير والصغير والتام والناقص. عاش في القاهرة، وتوفي بها. من كتبه (كنوز الحقائق) في الحديث، و (التيسير) في شرح الجامع الصغير، مجلدان، اختصره من شرحه الكبير (فيض القدير). (ت: ١٠٣١هـ). انظر: الأعلام، للزركلي (٦/ ٢٠٤).
(٧) انظر على الترتيب: صحيح مسلم بشرح النووي (١٦/ ١٧٢ - ١٧٣)، وكشف المشكل من حديث الصحيحين، لابن الجوزي (٣/ ١٨٦)، والمفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، للقرطبي
(٦/ ٥٢٨)، وتفسير القرطبي (٦/ ٢١٦)، وفيض القدير، للمناوي (٦/ ٣٤).
(٨) مجموع الفتاوى، لابن تيمية (١٤/ ٤٩٠ - ٤٩١)، وانظر: (٨/ ٥١٧، ٥٤٠).


الصفحة التالية
Icon