قال أبو عبد الله القرطبي: "قيل لابن عباس لما روى الحديث الصحيح عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "من أحب أن يمد الله في عمره وأجله ويبسط له في رزقه فليتق الله وليصل رحمه" كيف يزاد في العمر والأجل؟ فقال: قال الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام: ٢] فالأجل الأول: أجل العبد من حين ولادته إلى حين موته، والأجل الثاني، يعني المسمى عنده: من حين وفاته إلى يوم يلقاه في البرزخ، لا يعلمه إلا الله؛ فإذا اتقى العبد ربه ووصل رحمه زاده الله في أجل عمره الأول من أجل البرزخ ما شاء، وإذا عصى وقطع رحمه نقصه الله من أجل عمره في الدنيا ما شاء فيزيده في أجل البرزخ، فإذا تحتم الأجل في علمه السابق امتنع الزيادة والنقصان؛ لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ) [الأنعام: ٢].
قال القرطبي: فتوافق الخبر والآية، وهذه زيادة في نفس العمر وذات الأجل على ظاهر اللفظ، في اختيار حبر الأمة، والله أعلم". اهـ (١)
ونقل الحافظ ابن حجر نحو هذا القول عن الحكيم الترمذي (٢)، حيث قال: "المراد بذلك قلة البقاء في البرزخ". (٣)
أدلة هذا المذهب:
لأصحاب هذا المذهب عدة أدلة تؤيد ما ذهبوا إليه من أنَّ الزيادة الواردة في الأحاديث حقيقية وليست معنوية، وأنَّ إثبات الزيادة لا ينافي الآيات التي فيها أنَّ الأجل لا يتقدم ولا يتأخر، ومن هذه الأدلة:
الأول: قوله تعالى: (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ) [الرعد: ٣٩].
ووجه الدلالة: أنَّ المحو والإثبات - المذكورين في الآية - هما بالنسبة لما في علم المَلَك، وأما الذي في أم الكتاب - وهو الذي في علم الله تعالى - فلا محو فيه ألبتة، وهو الذي يقال له القضاء المبرم، ويقال للأول
_________
(١) تفسير القرطبي (٩/ ٢١٦ - ٢١٧)، ولم أقف على أثر ابن عباس المذكور.
(٢) هو: محمد بن علي بن الحسن بن بشر، الحكيم الترمذي، من أعلام الصوفية، وعالم بالحديث وأصول الدين، اتهم باتباع طريقة الصوفية في الإشارات ودعوى الكشف، (ت: ٢٥٥ هـ، وقيل: ٢٨٥ هـ). انظر: سير أعلام النبلاء، للذهبي (١٣/ ٤٣٩)، والأعلام، للزركلي (٦/ ٢٧٢).
(٣) فتح الباري، لابن حجر (٤/ ٣٥٣). وانظر: عمدة القاري، للعيني (١١/ ١٨٢).