تفسير قوله تعالى: (ويوم يقول نادوا شركائي الذين زعمتم)
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢].
هنا يعلمنا الله أن نتخذ الحيطة لأنفسنا ونجدد إيماننا وتوبتنا، وليؤمن من لم يكن مؤمناً، ويتب إلى الله من شركه وكفره وعصيانه، ويقول الله جل جلاله لهؤلاء الظالين المشركين: ﴿نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ [الكهف: ٥٢]، نادوهم لأراهم، فدعوهم فلم يستجيبوا لهم، فقد نفذوا الأمر، وأخذوا ينادون: يا عيسى! يا مريم! يا عزير! يا عجل! يا هبل! ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ [الكهف: ٥٢]؛ لأنهم ليسوا شركاء، ولأنهم يعلمون من أنفسهم أنهم عبيد لله، خاضعون لجلاله، ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٨]، فلا أمر لهم ولا نهي، فهم عبيد يصنع الله بهم ما يشاء، وأما أن يقولوا: إنهم شركاء، فلم يبلغوا هذا المبلغ من الجنون، هذا في الدنيا فضلاً عن الآخرة.
قال تعالى: ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ [الكهف: ٥٢]، أي: لم يستجيبوا لطلبهم.
قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا﴾ [الكهف: ٥٢]، فالله فرق بين أهل الهدى وأهل الباطل، وبين المؤمنين والكافرين، وجعل بينهم موبقاً، وهو مأخوذ من أوبقه وأهلكه، أي: جعل خندقاً ووادياً في النار من القيح والدم والصديد، وهو جزء من النار، فلا هؤلاء يستطيعون أن يخرجوا من جهنم ليقابلوا أولئك الهداة الصالحين، ولا الصالحون يستطيعون ذلك لو شاءوا، فكيف وهم لا يخطر لهم ببال أن يتركوا الجنة ويدخلوا إلى جهنم؛ فقد جعل الله بينهم موبقاً ومهلكاً ودماراً وخندقاً ووادياً في جهنم حال بين هؤلاء وهؤلاء، هذا إذا كان من يشركون به دون الله من المؤمنين.
وأما إذا أشركوا به الجن ومن هو على شاكلتهم فقد حكى الله لنا خصومتهم في النار، قال تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ﴾ [البقرة: ١٦٦].
يقول الأئمة المتبعون للأتباع: نحن ما أمرناكم، وإبليس يقول حينئذٍ: لا سلطان لي عليكم، وإنما دعوتكم فاستجبتم لي، ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي، فلا أنا أستطيع إغاثتكم، ولا أنتم تستطيعون غوثي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم.